خالد خضير الصالحي
في جلسة اقامها الدكتور فلاح الخطاط في باريس قلت انني لكي اشرح مرتكزاتي الفكرية في نقد الفن التشكيلي وفي الجماليات عموما استخدم نماذج من الخط العربي لانني اجدها الاكثر ايفاء في توضيح الافكار والفروق بين الجمالية والنفعية (وظيفية العمل).
وقد اثار موضوع المحاضرة في نفسي سؤالا طرحت جزءا منه في محاضرة اخرى عن الخط العربي، ولم يتح لي المجال لإكمال الفكرة اثناء المحاضرة، وهي اين حدود المياه الاقليمية بين (الخط العربي) والرسم؟..
يمكن القول، باعتقادنا، ان السبب الاعظم الذي يواجه (الخط العربي) في تصنيفه ضمن الفن التشكيلي هو اتباع الخطاطين لقواعد صارمة يسيرون وفقها، وهو اعتراض مردود لان الرسم شهد في عصور غابرة وجود قواعد شديدة الصرامة كالمنظور والتشريح وغيرها في الرسم التشكيلي ذاته، كما ان ادخال الحرف العربي في الرسم التشكيلي كان يتم بطريقة مختلفة عما يتبعه الخطاطون من ادوات، فكانت اللوحات الحروفية، او ما اسماه شاكر حسن ال سعيد البعد الواحد، كان يتم بأدوات الرسم وليس بأدوات الخط (قصبة الخط التقليدية والحبر)، وانه كان يتم عادة دون اتباع قواعد الخط العربي الصارمة، كما فعل شاكر حسن ال سعيد ورافع الناصري وضياء العزاوي وغيرهم، واحيانا تنتج تجارب بقواعد الخط العربي بصرامتها المعهودة كما يفعل (الرسامخطاطون) الايرانيون، ومنهم احمد احصايي وغيره، ولكن بأدوات الرسم المتنوعة.
ونحن نعتقد ان الفرق الاكبر بين اللوحة التي تنتمي بكليتها الى الرسم، واللوحة التي تنتمي الى الخط العربي هو ان (الخطاط) يهدف الى انتاج (نص) قابل للقراءة، او هو مشروع قراءة لغوية ينتج بادوات الخط العربي التقليدية، بينما يهدف (الرسام) الى انتاج (واقعة مادية) هي مشروع (رؤية) تتراجع قراءة النص فيها الى الخطوط الخلفية من القضية..
السؤال الذي يجب ان نواجه به انفسنا: هل معنى هذا انتفاء وجود الفن من اعمال الخط العربي ان كانت مقروءة؟..
وللتوضيح نقول ان فكرتنا هي:
ان توجه لوحة (الخط العربي) او تلقيها الى القراءة، قراءة النص، فسيكون تلقيها في منطقة اخرى غير منطقة (الايسثطيقا)، وكلما تحجمت القراءة لصالح جمال اشكال الحروف، وجمال طوبوغرافيتها، فهي تنتمي الى عالم (الجمال Aesthetics).
ان التعاطي مع الاعمال الفنية يتم (بتذوقها) جماليا، بينما يتم (استخدام) الاعمال العملية مثلا الاواني السيراميكية المصنوعة للطعام، واستنادا الى ذلك براينا فان تضمين الاعمال الفنية بحمولات ايديولوجية يعطيها طابعا دعائيا وهو طابع (استعمالي) وليس (تذوقيا) اي انه سيخرب طبيعتها الجمالية. فلوحة الخط العربي غير المقروءة يتم التعاطي معها تذوقيا، بينما تضفي المقروئية عليها بعدا ثيميا استعماليا..