نهى الصراف

يهتم أغلب الناس بمظهرهم لأسباب كثيرة وغير محددة يبدو أهمها، في محاولة استقطاب اهتمام الآخرين لحصد رضاهم وإعجابهم بطريقة قد تكون مدخلاً لبناء علاقات اجتماعية متنوعة، فإذا ما أضفنا إليها  جمال الوجه والملامح، فإن الطريق ستكون – حتماً- سالكة، حيث يترك جمال الطلعة وحسن الملامح إنطباعاً جيداً لدى معظمنا وقد يذهب البعض إلى أبعد من ذلك، حين يفترض في هذا الجمال حسن النية.
هذه الطريقة في الحكم المسبّق على الغرباء تعرّف في علم النفس بـ «الإنطباع الأول»، وهو أمر يغلب عليه طابع التعميم إلى حد كبير؛ حيث يحلو للبعض إطلاق أحكامهم المسبقة على الناس عند اللقاء الأول من خلال ما يغلب على مظهرهم أو صورتهم التي تسبغ على صاحبها صفات قلما تتغير حتى بعد أن يظهر سلوكاً مغايراً، قد لا يتوائم والمظهر الجميل.  وتشير نتائج دراسة حديثة إلى أنه من المرجح أن تتسامح المرأة مع الرجل الذي يظهر سلوكاً سيئاً، إذا كان يتمتع بشئ من الوسامة! والمرأة بذلك إنما تقع تحت «تأثير الهالة»؛ الاصطلاح الذي تبناه علماء النفس الذين أشرفوا على الدراسة.
ويمتد «تأثير الهالة» في بعض الحالات إلى أبعد من حدود اللقاء الأول، حيث تبنى عليه بعض الأحكام المسبّقة التي قد تتعلق بالتنبؤ بما سيكون عليه سلوك هذا الشخص الوسيم في المستقبل.  ومن المرجح بأن يكون للوسامة مفعول السحر لدى بعض السيدات، بالشكل الذي تغطي معه على بعض أو كل العيوب التي يظهرها هذا الرجل في تصرفاته وسلوكه غير المقبول.
تكررت ملامح هذه الشخصية غير مرّة، حيث تناولتها العديد من قصص السينما والتلفزيون وكانت شخصيات مؤثرة في العديد من الروايات، إذ ظهرت بمثابة (دون جوان)؛ الرجل المغرور المخادع الأفّاق الذي يحاول الإيقاع بالنساء من خلال وسامته، ليهجرهن بعد ذلك بكل صفاقة، يحدث هذا بعد أن تسامحه المرأة ذاتها مراراً وتكراراً بسبب (طلّته) البهية!.
بطريقة مماثلة، تلجأ بعض السيدات تحت ضغط وتأثير من «الهالة السلبية» إلى إساءة الظن بالرجل الذي لا يمتلك وسامة أو جاذبية، حتى يصل الأمر إلى سوء الظن والتكهن من احتمال امتلاكه صفات شخصية سيئة، كحكم مسبق يمليه عليها خطأ الإنطباع المسبّق.
وشارك في الدراسة التي أعدها باحثون في جامعة شرق كنتاكي الأمريكية، قرابة 170 إمرأة، من خلال قياس اتجاهاتهن ومفاهيمهن بخصوص الرجل من خلال ملامحه ومظهره عموماً، واتضح من خلال الدراسة بأن معظم السيدات أظهرن ميلاً للتسامح والتعاطف مع الرجل الوسيم، حتى عندما يسيء التصرف، في حين أبدت المشاركات ميلاً سلبياً  إلى تقدير الرجل غير الوسيم  وهو بمجرد تصرفه بشكل غير طبيعي، قد يضعه في موضع الشك بطريقة مباشرة ومن دون أدنى تردد.
لكن عالم النفس جيرمي جيبسون؛ الذي أشرف على الدراسة، يقرر بأن عدد كبير من السيدات قد يتسامحن مع الرجل غير الجذاب إلى حد معين، لكن لدى ارتكابه خطأ ما عندها سرعان ما تتبدل الأمور فتتخذ مساراً مغايراً لن يكون في صالح هذا الرجل، حتى إذا تغيّر  سلوكه فيما بعد أو أقدم على أفعال جيدة في المستقبل.
ويتعدى تأثير «الهالة» سواء أكانت سلبية أو إيجابية في حياة الرجل إلى محافل اجتماعية أخرى، غير علاقته بالمرأة.  ويذهب متخصصون إلى أن هذا الحكم الاجتماعي قد يكون جائراً إذا امتد تأثيره إلى ساحة القضاء؛ فالرجل المتهم بالتعدي على القانون أو انتهاك أي عرف من الأعراف الاجتماعية، فإن الحكم عليه أياً كان نوعه قد يكون مؤكداً أو يتضاعف إذا عكس مظهره ملامح قاسية أو غير جذّابة، فالقضاة (نساء ورجال) في نهاية الأمر معرضون – بشكل ما- إلى تأثير «الهالة» الاجتماعية التي تجعل من المتهم مذنباً، لأنه لم يثبت العكس وأن ملامح وجهه قد تقف كشهود على ذلك.