بقلم رئيس التحرير / وديع شامخ
في عالم متخم بالمتناقضات ، مرصع بحجارة الرجم ، البشر فيه لا يتسعون لاختلافهم فرادى وجماعات ، نزعة الحيازة والاستحواذ والاستئثار، عنوان كبير يدمغ تفكير غالبية أبناء جلدتنا ، حتى صارت الغابة حلماً قياسا الى سلوكياتنا مع بعضنا .
في عالم تتوالد فيه الظواهر الشاذة بطريقة مقرفة ، تنمو فيه التقليعات والموضات الخارجة عن هارموني الحياة الطبيعية الرصينة والكريمة بشكل مروّع .
في عالم يبتكر للموت موائد عامرة ، في ساحات القلوب قبل ميادين الحروب ، في الكلام الموغل في القسوة والجرح قبل القنابل والصواريخ العابرة للقارات .
في عالم يسعى جاهدا لسرقة الطفولة واغتيال البراءة ، عالم مجنون يطير سريعاً الى مواطن الظلام ، يحفر بصخر النوازع الإنسانية لبيلغ قاع الهاوية وقرارة الشر بلذة فريدة .
عالم يتقافز في الهواء كفقاعات تلهب عيون الرغبة في اصطيادها ، وما تلبث أن تختفي مثل سراب ماكر .
عالم أدمن الحياة السرية وسبر الانفاق وبنى بها اعشاشاً لتفقيس العبودية وشهوة الشر والانتقام ، أعشاشا للغرائز المجنونة بسر حرق الحياة في نورها .
عالم تنجز فيه العقائد كل احلام الانسان ، تصيره عبدا على مقاسها ، وتتلاعب بمصائره منذ ولادته التي لم يخترها الى نهايته المختارة بعناية فائقة من فرط تعاليمها وجبروتها .
عالم يصبح الفن والجمال وجها الحياة، البيضاء – الخضراء الزاهية ، وحولاً للقبح وسوقاً للرقيق الأبيض ، وساحة مكشوفة للدسائس ومائدة اللعب تحت الحزام .
في عالم يصبح القناع فيه هوية عارمة القوة في التغير والتحول والتناسل الى أشباه ووجوه تأخذ أدواراً مختلفة ، لمعالجة كل أمر بما يتفق مع مقام الحال و جدوى القناع .
عالم يسود فيه ديناصورات الثقافة ومن دار حولهم وسبح باسمهم ، ليكونوا أشد فتكاً في الحياة الجمالية من أبشع المافيات وتجار الحروب وعصابات المخدرات.
عالم تتنازعه رغبة الفناء والتدمير للطبيعة والبشر معا ، طوفان عارم من إرادة الشر تدور كألة الزمن على ساعة الوجود الانساني لتحيل الحياة الى متوالية من الافراط في قبول الهاوية.
عالم أصبع العلم فيه حيلة وتجارب لا إنسانية على حياة البشر والحيوانات معاً في مختبرات انتاج الأدوية أو في صالات العمليات وعيادات الاطباء وبيع وشراء الاعضاء البشرية ، ومصانع الأغذية ، ومخازن الغلال ، وحقول الزرع ، وتربية الحيوانات الداجنة .
عالم إمتهن الاحتفاء بالسواد ، وأقام عزاء جمعيا للحياة ، سوّر الأفق ، وأحتفى بالسجون مهودا للأحلام ، وأقام أنصاباً للجنود المجهولين .
أزاء هذا الزلزال الهادر في تردي القيم والمبادىء ، في وحشة الكائن في مصيره المجهول،
ما الذي يمكن أن نقترحه حلا ً؟
كيف يمكن أن نرسم الضوء على الجدران الحالكة السواد ، كيف يمكن أن نشيع الجمال رمزا للخليقة والحياة عنوانا للفرح ؟
أزاء هذا الخواء المزمن ، والزيف والدجل والدنس المروع في غابة قلب الانسان ، كيف يمكن لنا أن ننتصر لصورة الاحتفاء بالحياة بوصفها جنة أرضية مقدسة ، كيف يمكن أن نعيد للانسان هيبته وبسالة روحه ، ونقاء رسالته ؟
كيف يمكن أن نقاوم كأس الموت باكسير الحياة ، كيف يمكن أن ننقذ الانسان من حتمية لا تليق بعقله ، وبقدرية لا تتفق مع مزاجه الحر ؟
كيف يحقق الإنسان خلاصه الفردي والجمعي معا للتحرّر من ربقة المافيات الماثلة على روح الحياة في كل حقولها ؟
كيف نفرز ثمار الحقول من الزؤان ؟
لا وصفة سحرية ، ولا وصايا ، الإنسان سيد نفسه ، وهو وحده من يستطيع أن يعيد الاعتبار له ككائن ولحياته ، وللطبيعة معاً .
لان الإنسان هو مركز الكرة الأرضية وسر وجودها وسيدها أيضا ، فلا يليق بالسيد أن يكون عبداً ، ولا يحق له أن يكون مدمناً على الخراب.
فلا سبيل لتحرير الانسان من سطوة نفسه ومن سطوة ألة الزمن ومافيات الموت ، سوى بعث المحبة من جديد في القلوب ، فالمحبة فاعلة وخضراء وحصادها وفير ، يُشبع الجميع بعدالة نادرة وجمال لا ينضب
المحبة تعيد للكائن توازنه الروحي وتشفيه من غثيان الكراهية ، المحبة تحقّق انتصابا لروح الانسان وعقلة وجسده معاً.
المحبة حلاً جمالياً أثبت فاعليته الروحية والواقعية على مر العصور ، لأن المحبة لا عدو لها ، ولا صديق ، فهي بذرة الجميع وزرع الجميع وبيدرهم وحصادهم معاً المحبة الفاعلة أكسير الحياة و الجمال بلا حدود .