بيروت- هناء حاج
الفنانة الأردنية الرائعة والمثقفة قمر بدوان أخذت على عاتقها تحمل مسؤولية الفن الجاد والهادف منذ أن تخرجت من المعهد الوطني للموسيقى تخصص غناء شرقي وغربي. وكان تخصصها المساند في المعهد العزف على البيانو، وقد شاركت في الحفلات التي تقام على هامش مؤتمر المجمع العربي للموسيقى في دار الأوبرا في القاهرة. ولأنها مبدعة فقد كان للخشبة المسرحية نصيب من إبداعها ، من خلال مشاركتها بمسرحية «جنونستان» من تاليف واخراج حكيم حرب، كممثله ومغنية بمجموعة كبيرة من أغاني الشيخ إمام في مهرجان الأردن المسرحي.
التقتها مجلة النجوم في عمان في لقاء سهلته وسائل الاتصال الحديثة بسبب ظروف أزمة الكورونا للحديث عن هذه المشاركات وعن دور الفنان في ظل هذا الوباء الذي اجتاح العالم وعن مسيرتها الفنية بشكل عام.
بدأت قمر حديثها بالإجابة عن سؤال مجلة النجوم حول حصولها على المرتبة الأولى في مسابقة الأغنية العربية في مهرجان القاهرة الدولي السادس عن أغنيتها (عد لي) والأغنية من تأليف علي محمد البتيري وتلحين وائل غازي الشرقاوي وتوزيع المايسترو محمد عثمان صديق، فماذا تقول عن ذلك؟
«بالتأكيد أن كل فوز يمنح الفنان مزيداً من الثقة وبنفس الوقت يحمله مسؤولية أكبر، مما جعلني أحرص على المحافظة على مستوى هذا الفوز دون تراجع أو تراخي أو شعور بالوصول الى نهاية المطاف ونهاية البحث والمعرفة والتدريب، فأحياناً تكون الجائزة وبالاً على صاحبها اذا لم يستثمرها جيداً واذا لم تحفزه نحو المزيد من العطاء والبحث والتعلم . فسواء جائزة مهرجان القاهرة أو غيرها من الجوائز التي حصلت عليها، لم تكن بالنسبة لي في يوم من الأيام إلا محفزاً لمزيد من القراءة والتدريب والاطلاع وتقديم الأفضل فنياً وإبداعياً حتى أحافظ على ما وصلت اليه من انجاز، فليس المهم الوصول إلى الجائزة بقدر المحافظة على مستوى الجائزة».
وقوفك على مسرح دار الأوبرا في القاهرة، هذا الصرح الفني والموسيقي العظيم: كيف تصفين مشاعرك في تلك اللحظة؟ تجيب قائلة:
« لا شك أن كل فنان عربي يحلم بالوقوف على مسرح دار الأوبرا في القاهرة نظراً لما تمثله مصر في الوجدان الجمعي العربي من منارة فنية وثقافية، ففي داخل كل إنسان عربي ذكريات لا تحصى عن الفن والثقافة المصريين، فنحن منذ طفولتنا ونحن نستمع إلى أغاني السيدة ام كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم وفريد الأطرش وأسمهان ووردة الجزائرية، وعدد كبير من عمالقة الفن سواء الذين رحلوا ام لا زالوا على قيد الحياة، ولهذا أصبحت مصر حاضرة دوماً في عقولنا ووجداننا على أنها واحة الفن والإبداع وأن الوقوف على مسارحها وتحديداً مسرح دار الأوبرا الذي وقف عليه كبار الفنانين يعد الحلم الأجمل والسعادة الأكبر وهذا ما انتابني لحظة وقوفي على مسرح دار الأوبرا حيث شعرت بجمال اللحظة وروعتها، وبنفس الوقت شعرت بالرهبة، وأعتقد أنها رهبة ايجابية تضع الفنان أمام ضرورة تحمل مسؤولياته في الأيام القادمة لكي يستحق هذه الوقفة وهذه الثقة دوماً.»
قمر بدوان شاركت كذلك في الغناء مع أوركسترا المعهد الوطني للموسيقى في عدد من الحفلات في المانيا والكويت أثناء كانت عاصمة للثقافة العربية وفي مهرجان القريب في البحرين وفي مهرجان نيحا في البقاع في لبنان وفي مهرجان الفحيص و مهرجان جرش أعواماً متتالية ثم غابت فترة عن الساحة الفنية، لماذا كان هذا الغياب؟
تجيب:
« كانت فرصة للتأمل ومراجعة الذات والتقاط الأنفاس يحتاجها كل فنان حتى لا يعيد تكرار نفسه وحتى يكون قادراً على تقديم ما هو نوعي وجديد وغير مبتذل، وبنفس الوقت كانت فرصة للاهتمام بحياتي الشخصية وبأسرتي التي لها واجب عليّ فأنا أعتقد أن على الفنان أن لا يغفل الجانب الشخصي والإنساني والأسري في غمرة أنشغاله الفني. فالموازنة بين الطرفين تحقق للفنان السعادة والاستقرار، وهذا ما حاولت تحقيقه خلال فترة غيابي، حتى لا يكون هنالك شيء على حساب شيء آخر. لذا لم أعتزل الفن حتى أقرر العودة وكما قلت هي كانت فرصة لالتقاط الأنفاس والاهتمام الذاتي والأسري، وعندما شعرت بأنني قد قطعت شوطاً في ذلك وتمكنت من تحقيق التوازن دون أن أظلم نفسي أو أسرتي عدت مجددا.»
في زمن الكورونا اشتهرت لك أغنية على نطاق واسع تتحدث عن الحبس في المنزل من تأليفك وألحانك: ماذا تقولين عنها؟
«هي كانت مجرد مشاركة عن بعد هدفها المساهمة في رفع الروح المعنوية للناس وبث الطاقة الإيجابية لأنني أؤمن بأن الفن سلاح خطير جدا ويلعب دورا مهماً في الأزمات، فكلنا نذكر كبار الفنانين كيف كانوا يغنون وقت الحروب ويساهمون في رفع الروح المعنوية، وعبد الحليم وام كلثوم اكبر مثال على ذلك. وقد قمت بتقديم هذا النوع من الغناء عن بعد بهدف إشاعة البهجة وخلق روح الطرافة بين الناس والتي من الممكن أن تساعدهم على تجاوز المحنة وطرد شبح الاكتئاب والشعور بالعزلة .»
وكيف أثر حظر التجول والحجر المنزلي على الفن بشكل عام، وعلى حياة قمر بدوان بشكل خاص؟
«بكل تأكيد كان للحظر والحجر تأثير على كافة نواحي الحياة والفن هو واحد من هذه النواحي التي تأثرت بشكل كبير، فالقاعدة الأساسية لتحقيق شرط الفن هي الجمهور والتواصل الحي بينه وبين الفنان وعند انقطاع هذا التواصل وتوقف هذا الشرط تعطلت العملية الفنية بمجملها، ولكن هنا يتحمل الفنان مسؤولية كبيرة، من خلال الدفاع عن قيم الحياة التي تعرضت للخطر جراء هذا الوباء واكبر وأهم دفاع يكون من خلال الفن، الذي كما قلت سابقاً انه قادر على رفع الروح المعنوية وشحذ الهمم وطرد شبح التشاؤم، لأن الفن تاريخياً هو دعوة إلى الحياة، لذا يستطيع الفنان من بيته أن يساهم في ذلك من خلال ابتكار وسائل تعبير فنية قادرة على التخفيف عن الناس، وهذا ما حاولت القيام به طوال فترة حظر التجول والحجر الصحي، وأنا سعيدة بأنني قمت بذلك ولعبت دوراً أعتقد أنه ايجابي وساهمت إلى جانب الكوادر الطبية والأمنية في حماية الناس من الوباء، ليس من وباء الكورونا بل من وباء التشاؤم والخوف والإحباط، وأتمنى أن أكون قد وفقت في ذلك.