وديع شامخ 

علي أحمد سعيد ، غاو كبير، نهل من فقره انتصابا ، ومن جرأته ناموسا ، ومن متاهة الوجود أسئلة .

لم يتدحرج ككرة ثلج ، ولن  ينتصب  كإهرامات  ..

كانت  له قامةً  يلّوح بها .

ولد سورياً  صنو  الشجر والحجر والطيور وعطور الطبيعة  وحنو الأمهات ..

من   قرية  في أقصى  الفينيق  جاء يسعى ..

لا طفولة له ،  لا ياسمين  لشام  يُعطر  قوامه،  قادته الأعوام  الى البلوغ  بفطرة عامرة

أخذته  المدن  ولم تسرق منه دهشة  السؤال .

تأبط  فينيقه ومضى .

لم يحمل  الوصايا غير الخروج من  “ الملة”  بالسؤال .

لا جبة   له ولا شيخ ،  صوفي يرقص في باحة الشعر ويلعب  النرد مع  القلوب  المثقلة  بالجواب .

أدونيس  رداء  جاء من خانة الواقع  الى حلم  الأسطورة .

فك حروف لغزه ، وواصل  الأرتقاء   حتى  قال “ هذا هو أسمي “

أنا أدونيس ، طلّقت  علي أحمد سعيد ثلاثا .

واصل الإبحار في خرائط   اللغة  والفكر  ليُقطّر  الحكاية كخمرة الروح /  يُعتق  التاريخ  صحوة للفكر .

أدونيس، جاء الى دمشق الدنيا

ليس  كما جاء السياب  الى بغداد،

وقطعا  لا “ماغوط “  المجنون  بينهما .

أدونيس  يغازل تجاعيده  ويرفع كأس  العمر  بصحة  التأويل .

يطلق  تأويله   في حومة صالات  التجميل ، والمرايا المقعرة  والمحدبة .

هكذا  خلع علي أحمد سعيد  رداء القدر ..

وكان  السؤال له وجودا .

وكانت مجلة “ شعر “ حاضنة الحداثة الشعرية  والتبشير في قصيدة النثر  نصوصا ونقدا  .

ومن السؤال طريقاً للتهلكة ، الى  الجواب المقبرة ،

صال  أدونيس  في حلبة  الأسوار وكان بطلها الثقافي .

كانت  الفصول له ، لا ربيع قار ولا  حاكم عادل .

في مسيرتي الشعرية والثقافية  والحياتية عموما ،  توقفت عند  قمم وهضاب  الشعر وآفاقه السهلة والوعرة  ، وآيات  من النثر السياقي في المشهد الابداعي العربي  قديما وحديثا .

ونقّبت كثيرا في المشهد العالمي شعراً وسرداً وفكراً  ، وطافت روحي على  شواهق الإبداع   نصوصا ومواقف. .

فصار  أن توافقت خبرتي القرائية على قاعدة التساوق الإنساني مع نصوص المبدعين أولاً، رغم تفاوت الأساليب  والمدارس  في  الإفصاح  عن  الذات المبدعة  نصا وفكراً .

الشاعر  والمفكر الفذ  أدونيس واحد من القامات الإبداعية التي قرأت معظم  ما كتب شعراً وفكراً وحتى مقالته الصحفية  الأسبوعية “  مدارات لهذا الرجل الذي أختلف على مشروعه  الكثيرون ، ولكن  لا أحد  يستطيع أن يحجب شمس أدونيس وبوحه بغربال.

لم يتسع  المقال لذكر كل  الأساتذة العظام  الذين  حفروا  في  ذاكرتي مثابات  ذهبية في  أزاميل  الجمال  وحبر المعرفة  ومداد القلق  .. كل كاتب  شاعراً كان  أم ناثراً ،  تراثياً  أم  حديثاً  أم  معاصراً،  شرقيا  أم  غربياً … شكّل لي ظهيرا  وزوادة  في  تجربتي الشعرية ولإثراء  صوتي الخاص ،في  كل مسيرتي الثقافية فكرياً  وحياتياً،

ولا يمكن  أن تكون في حفلة التذكّر  هذه، ولم يلمع  في ذاكرتك  أسم  أدونيس  الشاعر والمفكر.

هذه الإنسان الذي أثار جدلاً  كبيرا  في الحقل الإبداعي العربي،

فهو يقف على أعتاب عقده التاسع  حاملا جرأة الشباب وحكمة الزمن وشاعرية  الزمانية الكبرى .

قيل في فكر وشعر هذا المختلف وقعاً  والمؤتلف صقعاً ، ما لم يقل في غيره ، لانه بقى غريدا شامخا فكراً وشعرا وبحثاً  ،  توقف عند مطبات فكرية  مختلفة ، ولكنه تجاوزها وصولا الى الأعالي ، هناك حيث  تشرق الروح بمجدها في القمم  .

وديع  سعادة زاجلاً

لعل من   المؤثرات المهمة لكتابة هذه الرسالة  هو الشاعر المبدع وديع سعاده ،  يوم كنا نسهر في بيتي،  وحين لعبت السلافة   في المزاج  ،  قال لي سعادة  بعد أن ذكرنا   أدونيس  في الحوار : ما رأيك أن تتحدث  معه الآن عبر الموبايل  ؟

فكان  العرض سخيا جدا ..

رن الهاتف وجاءني صوت  أدونيس  بعد أن قدمني وديع تقديما  لا يقدمه وديع سعاده لأحد إلا  وهو في حالة نشوة كبرى “ معك وديع  شامخ  الشاعر والناقد  العراقي 

فطل على مسمعي  صوته الدافىء “  أهلا بك   كيفكم ؟

قلت  :  من أين  أبدأ  معك  من علي  أحمد سعيد أم أدونيس  أم هذا هو اسمي ؟

قال  كلمات دافئة وتساءل عن احوالنا  في محنة كورونا ،، ليكرر لي درس  المثقف العضوي  الكبير .

قلت له :”  تشرفت بلقائك في عمان في أمسية شعرية   في مبنى مركز  الحسين الثقافي،   عام 2001  على الأرجح ، وقد ألقيت ُ  نص “ قبر الى نيوريورك “  .

قلت له :  إن هذا النص  أثار شعراء آخرين لكتابة نصوص  رثاء المدن ، وعندما هممت  بذكر إسمائهم  ضحك  ، وقال دير  بالكم على حالكم   وبتواضع  الكبار  وآملا أن نلتقي يوما “

كان يمكن أن يكون الحوار طويلا ، لولا فيتو وديع سعادة الجمالي والإنساني .

لحظات جميلة أن يترسب  في ذاكرتك صوت  مبدع تقصيت  آثاره  بمتعة،  وأثار لديك  ملكة السؤال والإبحار في حقول الجمال والفكر والدهشة .