مجلة النجوم – سيدني
بقلم: دينا سليم حنحن
انطلقت فتاةٌ حسنة الطلعة في مشوار طويل، تسأل النصيحة من عجوز حكيمة، تقيم في كوخ قديم وسط الغابات، امتطت الفتاة الحصان شامخةً، حمّلته ما يلزمها من ماء وبعض الطعام، تحمّلت مطبات الطريق غير المرصوفة، والمتربة، عبورًا بمياه الأنهار والشلالات، تكيّفت مع المتغيرات البيئية، وساندت الكائنات الودودة، أغاثت الضعيف، واختبأت من الشرسة، سامرت المؤذية، وصبرت على الموحشة، حتى بلغت هدفها بسلام.
ترجّلت من على ظهر الحصان، أمثال الفرسان الأشداء في ساحات الوغى، ابتسمت لها العجوز واستقبلتها استقبالا بشوشًا.
قالت الفتاة وبكل تأدب:
– جئتُ عابرة الجبال أستشيرك بأمر ما، لقد تعب مني الصّبر، لا رجل في حياتي، وسئمتُ طول الانتظار، أخشى من قدوم يوم أفعل فيه ما تفعله عمّتي المسنة الآن، أجدل ضفائري وأكويها بمكواة صدئة، أطعم جبيني الحروق الدامغة، ألـقّم عينيّ بإبر الانتظار، أخيط أحلامي بمرض النعاس، وأستسلم وأقول: هذا هو حظي فما من نواة حياة، فبماذا تنصحيني يا خالة؟
– يا بنتي، الرجال خيام هاجرة، معجونون بتراب الطريق، رؤوسهم هوادج فارغة، أعناقهم سنام جِمال، كروشهم منتفخة، وعقولهم جافة، وقلوبهم فارغة، وعند أول مفترق طرق يختفون فجأة، ولا تجدين لهم أثرًا، إنهم يدركون ما يفعلون!
الرجل الأسمر رحـّال، والأبيض بيّاع كلام، والحنطي أفّـاق وأفّاك، والأحمر عريـان، و(الزنجي) غضبـان، والأصفر يتحدث بغير لسان، الإنساني غفلان، الصّامت مكّار، والجّاهر خدّاع، ومن يناغي الحيوانات الأليفة غرقان في همومه، ومن يحكم بين الناس معتوه، لم أذكر لكِ الكسول، والمتباهي الشغف بملذاته، والبخيل، والمبذّر، والمتسلط، أما المبتلى بالغرور والتكبر، لا تحتمله أيُّ امرأة تبحث عن حب حقيقي، اصغي جيدا يا بنت الحلال، فما من زوج إلا وعرف كيف يبيع زوجته أو حبيبته بمزاجه، (مياتك في القربة خليها، لا توزيعها إلا على من يستحق، والذي يحبك أكثر مما تحبينه، التي عبَرَت المسافات، ووصلتْ كوخي على ظهر حصان في ظروف مناخية قاسية، تخشى الانحطاط والنزول إلى أسفل الوادي لإرضاء رجل لا يقدّرها، ترفض الركوع عند حافته بخشوع، تنتظر عودته إن أطال الغياب، فما الرجال إلا نقطة ماء سخية، تمكث فوق ريشة أنيقة انتزعت من عنق طائر مهاجر، واستقرت على البسيطة كخبيئة، ينسكب الأفق ومن فيه داخلها، فتبدو الدنيا مشرقة، لكن للحظات قصيرة فقط، لن تعمّر طويلا، إن حصل ولمستها الريح، تجف في الحال ويضيع بهاؤها، وتخفّ الريشة إلى غير دليل.
- سأقيم كوخًا لنفسي يحاذي كوخك يا خالة! أجابتها الفتاة.
- تستسلمين إذن، عودي من حيث أتيتِ، الزواج قسمة ونصيب، يهب عليك مثل الريح من حيث لا تدرين، أمثالك آلاف مؤلفة، ولن أسمح لأحد العيش في منطقتي، نصيحة أخيرة قبل رحيلك، إياك أن ترتبطي بزوج لن يهضم خميرتك، وإن لم يحصل، فيكون الله قد خصّك، ووضعك ضمن سجل الناجين. وطردتها العجوز من كوخها.
رابط مختصر: https://anoujoum.com.au/?p=11807