التعاطي الزئبقي مع المرأة
و كأنّ الحرية دواء مر لا يُعطى إلا على جرعات متقطّعة

بقلم/ هدى الدّغاري

لست مفتونة باحتفالات أعياد الميلاد ولا أتذمّر كأغلب النساء من نسيان أزواجهنّ تواريخ زواجهنّ، لا تهمّني الهدايا الجاهزة لميعاد عيد حب أو رأس سنة ميلادية، تضحكني البطاقات البريدية الملقاة في الطريق والأخشاب المنقوشة بصورة قلب معروضة حسب الطلب.

* لا أحبّ المشاعر بالجملة التي تطفو فجأة على سماء المدينة، فتلوّث أرضها بقوارير المشروبات و بقايا الساندويتشات وعلب السجائر بعد ليلة احتفال صاخبة.

* حبٌّ يدْفع النّساء جميعا إلى الذهاب في وقت واحد إلى المزيّن و ينتهي بعد حفلة تهريج بشعر «منكوش» و انتفاخ تحت العينين في الصباح الموالي، لا تفعليه !
*تذكّرت في هذا السّياق جارتي التي يصلني صوتها المتذمّر كل صباح، من أعبائها اليومية و»ماراتون» إيصال الأولاد إلى المدارس، وفوضى المطبخ، واجبات إصلاح فروض طلبتها المتكدسة أمامها، من صورة زوجها الجامعي الذي يدرّس حركات الإصلاح و التحرّر الاجتماعيّ ويعجز عن تجهيز قهوته بمفرده في البيت !

* مجتمع يحرّرها بمزاجه، يقذفها في زاوية الوظائف لتزيين واجهاته بغطاء تجميلي، سرعان ما يتشقق ليكشف عن رعونة ذكورية ثاوية تحت ملمس أفعى ناعم.

* بمناسبة وهم الحديث عن الغطاء التجميلي ، سرعان ما ينهار امام المثقف العربي إيمانه بضرورة الفصل بين الشاعرة و نصّها. و تقفز مكبوتاته إلى العلن أمام نص شعري ايروتيكي كتبته. فتتحرك غرائزه و يغيب النص ليحضر جسدها.
في هذا السياق أتذكّر تصرّف مثقّف عربي مرموق و هو يقرأ قصيدتي « أحبك أكثر « ليفاجئني بإرسال فيديو « بورنو « !
قدرة الشاعرة على كتابة المثير، و تصوير الحميمي بدقة متناهية، ليست دعوة للفراش !

* في سياق الحديث عن الشيزوفرينيا ومرض الشخصية المتناقضة فاجأني تلميذي الذي أحب ونحن نتحاور عن ثلاثية الزمن والتراب والإنسان في البناء الحضاري من وجهة نظر الكاتب مالك بن النبي:
* سيدتي لو بقيت النساء في البيت لاشتغل جميع الرجال و تحقق البناء !
ابتسمتُ في ما اشتعلت قاعة الدرس بردود زميلاته في القسم.

* أحبُ أن أعرّج قليلا على التعاطي الزئبقي مع المرأة أو التناقض المشوب بمكْر، و كأنّ الحرية دواء مر لا يُعطى للمرأة إلا على جرعات متقطّعة مع إمكانية قطعه في بعض الأحيان.

لعنة الفتنة التي تصاحبها دوما رغم كل أدبيات التحرّر واقع، على المرأة أن تمشي فيه ببزّة حرب و مشرط في اليد !