مجلة النجوم سيدني –
بقلم الكاتب نعيم شقير
إذا كنت ثرياً، فهذه السطور لك، وهذه الحياة النموذجية، لك أيضاً. وحتى لا يختلط الأمر على الكثيرين، فالثري في هذه السطور هو من يملك المليار وما فوق، ومن هو تحت المليار ولو بملايين قليلة، يخرج من هذه السطور وتصبح على غير مقاسه.
باختصار، هذه السطور موجهة إلى نادي المليار، الذي يضم ما يقارب العشرة آلاف شخص، كما تقول لائحة فوربس. ولهؤلاء الذين سعدوا بانتسابهم إلى النادي الفخم، اهتمت شركة برسم تصميم حياة سعيدة، مرفهة قدر الإمكان، تضمن إلى حد ما عيشة هنية، بعيدة عن التعاسة والأمراض، وعلي تماسا مع السعادة والهناء. كيف؟، إليكم التفاصيل..
اختارت الشركة مناطق نائية على الخريطة، جزراً بكراً اشترتها وصارت في حسابها الخاص، لم تطأها أقدام البشر، ولم يصل إليها التلوث، ولم تسمع أشجارها طلقة صيد واحدة، ولم تعرف بحارها إلا الأسماك النادرة.
جزر للبيع والاستثمار، مكتوبة بأسماء هؤلاء المحظوظين، ومرسومة في شريط خاص يشرح بالتفاصيل هوية هذه الجزر، وتاريخ ميلادها، ويتولى الشرح فريقا من الاختصاصيين في علوم الطب والفيزياء والمناخ وفي علم السعادة والجمال والصحة.
أنت من أصحاب المليار، إذن يجب أن تكون لك جزيرتك، مساحتها توازي مساحة ضيعة، فيها مطارها الخاص، ومرسى لليخوت، فيها بيت نموذجي وآخر للضيافة، وفيها بحر وشاطئ رملي وأشجار وثمار وعصافير وطيور وحشرات نافعة للصحة وتقدم الدواء والغذاء بشهادة الأطباء.
التلوث صفر في المكان، الضجيج يفتش عن ديسيبل بالسراج والفتيل، فيرجع خائبا، المطر دائما طوال العام، الشمس لا تغيب في الشتاء، والقمر يرسم أجمل لوحة في المغيب.
هذه الجزيرة تتسع لشخصين أو أكثر وهي تناسب الراحة والعطلات وحتى العيش الدائم، العطلة فيها قد تمتد من أسبوع إلى شهرين فستة أشهر، تصلك الدعوة إلى زيارة جزيرة نموذجية، للتعرف على أشكال الحياة الجديدة، وبعد تمضية أسبوع تقرر الشراء أو الاعتذار.
لا تسأل كيف تمكنت هذه الشركة من شراء هذه الجزر، فهي أحصت اعداد نادي المليار، واشترت الجزر على أعدادهم ، وأفردت لها باقة من الجزر في أربع رياح الكرة الأرضية تحسبًا لميلياردير يريد شراء جزيرة لزوجته وأخرى لعشيقته وثالثة لأصحابه يستريحون فيها خلال العام من إنفاق المال ومن الحصول عليه للصيد في مياه بكر لا تعرف إلا اللحم الطري.
وللعلم أن الكرة الأرضية فيها أكثر من ثلاثين ألف جزيرة، نصفها قابل للبيع ونصفها الآخر قابل للنقاش، ومن يدفع أكثر يحصل على مراده أبكر، صكوك الملكية جاهزة، ومعترف بها دوليا، ويستطيع مالك الجزيرة إنشاء وطن صغير يكون فيه السيد والمطاع والآمر الناهي ويتربع على عرش المكان، في أجواء خيالية مليئة بالإثارة تتم الزيارة.
على متن طائرة خاصة تتسع لعشرة أشخاص، وتضم على متنها غرف نوم وصالونات، وفيها من الطهاة ما يوازي عدد المضيفين والمضيفات، بالإضافة إلى طاقم القيادة الذي يرحب من قمرته بالضيف المنتمي إلى نادي المليارات.
ما عليك الا ان تكتب ماذا تريد أن يكون طعامك، والقائمة ممكنة بكل اللغات، واللحوم والأسماك من مختلف الجنسيات، والفاكهة من اعلى وأرفع المستويات، والباقي على عاتق الشركة.
تستغرق الرحلة المدروسة بعناية حوالي السبع ساعات، بينما تنطلق من باريس، وحوالي العشر ساعات حين تنطلق من سان فرانسيسكو، ولا يمكن للمسافر أن يشعر بتعب ولا أن يصاب بملل. فالفريق الخاص بالاستقبال يبهر النظر والقلب، ويشعل أحاسيس الروح، ورجاء لا تطلب الإذن للتدخين فالسيكار الكوبي إلى قربك والكونياك ليس بعيدًا عن ناظريك والشاشة العملاقة تتولى إختصار المسافات.
تصل إلى الجزيرة، تشاهدها من إرتفاع فتشعر بالسحر والإثارة، الشمس ساطعة في كل الفصول، الانقشاع جيد وممتاز، المناخ دافىء يداعب الوجه، السمك والطير والشجر جيش المستقبلين، أنواع نادرة من الورود نمت فجأة في حديقتك، ولوحة مرسومة بالأخضر الطبيعي، وصخور بيضاء، رمال من ذهب.
هدوء يسبق انفجار القصيدة، جمال يبشر بطول العمر، وسكينة تمكن الطير من وضع البيض أمام الأعين، لا كهرباء وصلت الى هناك، لا أنابيب للمياه، والليل مضاء بالنجوم، والنهار مكلل بالشمس، والغروب مرسوم بريشة الخالق، والمساء لوحة سوداء تكحلها النجوم الفضية التي تشع في السماء والنفس.
تستطيع أن تعيش بلا قيود، تمارس رغبتك في العيش السعيد، لا اناقة تخفي وحشة الروح، ولا صباح مبرمج بالمواعيد، لا مال تعوزه ولا ليل تشتريه. الحياة مفتوحة على الطبيعة، كحياة القرون القديمة قبل اكتشاف الحضارة الزائفة.
الصبح يصفعك بالندى على الوجه، النسيم يغسل أدران النفس، التعب معدوم وغائب بامتياز، المشي بين الخضرة حياة جديدة. كل شيء تراه يظهر لك للمرة الأولى، لم تتدخل يد إنسان في خلقه ولا في تركيبه.
الطعام لا مواعيد تحاصره، الثمار تتدلى من الاشجار، الشبع دائم في تلك البقعة المسحورة، والشركة المضيفة تترك لك الخيار، لن تأخذك في رحلة مدروسة، توصلك الى هناك وتتركك لخياراتك.
لا ضرورة لساعة اليد، وطبعا لا لزوم للهاتف النقال، ولا ضرورة لاناقة الصبح والمساء، ولا لزوم لفريق المساعدين، أنت وحدك صاحب المبادرة.
غابة من الشجر الأخضر تهديك السكينة، الليل طويل يهدي النعاس ويوزع الاحلام على طبق من كستناء، وحدها الشمس تطل بمواعيد، وتدفع القمر الى المغادرة بأسف شديد، لكنه يلمزك من طرف عينه سأعود بعد قليل.
رابط مختصر: https://anoujoum.com.au/?p=13204