لازالت عالقة في الاذهان ذكريات من فترة ماقبل التغيير في العراق , حينما كان رجال الامن عندما يريدون أن يعرفوا شيئا او معلومة عن شخصية ما فأن أول مايسألونه هو ( الحلاق ) هذا فيما يتعلق بالرجال اكيدا , فالمعروف والمعتاد عليه أن الزبون ماأن يجلس ( تحت موس الحلاق ) حتى تبدأ الثرثرة والحديث بشتى الامور , ومرد ذلك لعدة أسباب اولها كسر روتين فترة الجلوس الطويلة التي قد تستمر لاكثر من ساعة , وثانيا للثقة المتبادلة بين المزين والزبون .
واليوم باتت صالونات الحلاقة ومراكز التجميل
( النسوية ) أكثر منها للرجال حتى لايكاد يخلو منها شارع أو منطقة واصبحت تتنافس فيما بينها لتقديم الافضل , لكنها في ذات الوقت لم تعد مجرد أماكن لتصفيف الشعر أو عمل التاتو او غيرها وانما اضحت ايضا متنفسات للمرأة تقضي بها بعض الوقت وتلتقي بصديقات او زميلات فتدور شتى أنواع الاحاديث التي قد يغلب على بعضها طابع ( الخصوصية المفرط ) , الامر الذي يتسبب ربما بالكثير من المشاكل فيما بعد عندما تخرج هذه الاسرار الى مايتعدى الاثنين والثلاثة فأكثر , فالمرأة بين يدي مصفف شعرها قد تبوح بأسرارها ومشاكلها وهمومها وتضل تسرد حكايات يجد مصفف الشعر نفسه احيانا مجبرا على الاستماع اليها , لكن كيف يتعامل الذين يعملون بهذه المهنة مع هكذا حالات .
وقفتنا الاولى كانت مع مصففة الشعر والماكيرة ( سندس الزيدي ) التي قالت أنها طالما تذمرت من العديد من النساء اللواتي يكشفن خصوصيات وأسرار عند جلوسهن بين يدي فأجد أن الامر غير مناسب تماما لا في الوقت ولا في المكان وكثيرا مابادرت بنفسي لتوضيح هذه الامر وخطورته لزبوناتي , فالمرأة اليوم هي عند هذا الحلاق , وغدا عند غيره وطرح امور شخصية هي مخاطرة وعبث لامبرر له , انا احرص على التركيز بعملي فقط .

 

أما خبرة مزين الشعر المعروف ( جهاد أريدو ) الطويلة التي ورثها عن والده جعلته – كما يقول – يعرف كيف يتصرف بهكذا مواقف , جهاد يقول بأن عملنا يعتمد على ( الامانة والثقة ) نحن لانستطيع أن نمنع الزبونه من الحديث لكن قدر الامكان أحاول انا ان يجري مجرى الحديث عن التسريحة ونوعيتها وجماليتها بعيدا عن الخوض في امور جانبية والمعروف عني أنني قليل الكلام جدا اثناء عملي وكل اهتمامي يتمحور في العمل حول تقديم النصائح للزبونه وكيف تعتني بشعرها , لاوقت لدي للقيل والقال بل الافضل استثمار الوقت بما يخص العمل والجمال بل نحن احيانا نمنع حتى كوادرنا هنا من الخوض في الاحاديث الشخصية مع الزبونات او حتى التقاط الصور , الامر امانة وثقة كما قلت واعتقد هذا هو سر نجاحنا .

الاعلامية ( هديل السعيدي ) تقول أنها عندما تدخل صالون الحلاقة وتجد نفسها مضطرة للكلام تحرص على ان يكون كلامها بالاشياء العامة وليست الخاصة أبدا فقد تكون في لحظة ( ضيق صدر ونفس وهموم) تتكلم بشىء خاص لكن تكتشف بعد حين أن هذا الموضوع او تلك المشكلة تعدت حدود من تكلمت وفضفضت له , لذا تنصح هديل النساء بعدم الخوض بمواضيع شخصية ويفضل ايضا عدم التردد على صالون حلاقة واحد .

وصف جميل للكوافير ( أحمد المثير ) عندما وصف كرسي الحلاقة بأنه ( كرسي الاعتراف ) !! وقال , نعم هو أحساس عند المرأة قليل من لديها القدرة على كتم لسانها طوال فترة جلوسها بين يدي لتصفيف شعرها , الحقيقة يتكلمن بكل شي , احيانا استغرب جدا من امور واحاديث انا لست طرف فيها لكني مضطر لسماعها والحقيقة أن كلام الكثيرات في هكذا مكان هو ليس عن ( ثقة ) بل للكبت النفسي الذي تعاني منه بعضهن فيعتقدن أن البوح والكلام هو تخفيف عن النفس .

أما مصففة الشعر ( رائدة فاضل ) تصف علاقاتها مع الكثير من زبوناتها بأنها علاقات اضحت ذات طابع أجتماعي وترتبط معهن بأواصر صداقة لذا في مصدر ثقة الكثير عندهن وهذا يجعلها تستمع – كما تقول – الى قصص وحكايات كثيرة لاتعد ولاتحصى وبالتأكيد هي ملزمة ان تكون امينة على ماتسمع , ( وتضحك ) رائدة وهي تقول بمجرد خروج الزبونة من الصالون أنسى ماقالت تماما لانني في اليوم الواحد أصفف شعر اكثر من زبونة فأي شي من هذه او تلك ممكن ان يضل في البال لكن عموما البوح بالاسرار من المحظورات غير المجدية والخطرة جدا .

أحيانا نأخذ دور المرشد النفسي !! هذا هو وصف الماكير ( فراق عباس ) عندما سألناه هل يقتصر دور المزين والماكير على الاستماع ام انه يجد احيانا انه يعطي نصيحة لموضوع شخصي , يقول نعم الحقيقة أجد نفسي أخذ دور المرشد النفسي في بعض القضايا التي تحملها الزبونة في جعبة افكارها , وهي بالتأكيد لثقتها بي فأنها تتكلم ,, انا اعطيها الرأي لكن في ذات الوقت انصحها بعدم اثارة مواضيعها الشخصية او مشاكلها العائلية في أي مكان . وعن اطرف موقف مر به قال ,, نعم واحدة من زبائني تكلمت مرارا عن حبيبها واخذت تنعته بأبشع الصفات وانه بدأ يخذلها وينكث وعوده , فأذا بي بعد فترة اكتشف أن كل ماقالته عن ( الرجل ) هو محظ كذب وافتراء وذلك عن طريق احدى صديقاتها التي هي زبونة عندي أيضا !!

يشمئز الماكير ( أركان محمد ) من بعض النساء عند دخولهن للصالون , يقول أنهن يشعرن بالارستقراطية المفرطة او من طبقات فوق مستوى الاخرين , فمجرد جلوسها بين يدي اجدها تبوح بأشياء لاتخصني لامن قريب ولامن بعيد , وبحكم عملي أجدني اجاملها , لكنني فقط اشير لامر مهم وهو أن حفظ ( السر ) هنا هو مطلوب عند الحلاق وهو مجبر على ذلك لان انعكاس اشاعة السر عند الحلاق اكثر ضررا واذى من مردوده على الزبونة , نحن نستمع الى حكايات غريبة جدا تحدث في البيوت بالفعل حكايات ومشاكل تثير الفضول , والحلاق الجيد المهني هو الذي يترك ويلقي كل ماسمعه طوال يومه مع تركه لاخر ( مقص ) حلاقة في ادراج الصالون قبل مغادرته أياه .