دينا سليم – بريزبن

في هذا المقال سوف أبقى في بريزين، ولن أبتعد عن المدينة رائعة الجمال والخلابة بكل المعاني.

صادف وأقدمتُ على إنجاز مشروع كبير من خلال برامجي الإذاعية الناطقة بالعربية، سجلتُ عدة حلقات لصالح برنامج أطلقتُ عليه اسم (الروزانا)، استضفتُ شخصيات عديدة منها منشدون، وعازفون على أدوات موسيقية مختلفة، والجميل في الموضوع أن ضيوفي استغلوا فرصة اللقاء بالتجوال في منطقة الإذاعة الواقعة في ضاحية تقع جنوب مدينة بريزبن، تقع على شبه جزيرة مكونة من صخور الرويوليت rhyolite الصلبة.

تتمتع ضاحية كانغرو بوينت بجذب سياحي هام لوجود الجسر العملاق فيها، وكذلك الظاهرة الجيولوجية التي تشكلت من صخور عظيمة بانحداراتها العظيمة داخل التواء النهر، مشهد رائع.

من يقوم بالمقارنة، قبل وبعد الاستيطان البريطاني، سوف يصاب بالذهول، استوطنت في المنطقة قبيلة من السكان الأصليين اعتمدت (التوربان) كغطاء للرأس، شيء يدعو إلى الغرابة، لأن القماش أتى به إلى القارة الرجل الأبيض فقط، ونعلم جميعا أن السكان الأصليين عاشوا حياة بدائية، اعتمد قسم منهم ربط الباندا على الجبين المستخرج من جلود الثعابين، أو التماسيح، أو الحيوانات القارضة، بينما اعتمدت الأكثرية طلي الجسد العاري بألوان ودهانات استخرجت من لحاء الأشجار.

هناك أسطورة تقول، أن ميداس، ملك بهريغيانيس، وهي قبيله هنديه أوروبيه موجودة وسط تركيا، ارتدى التوربان لإخفاء أذنيه التي شبهت أذني الحمار، وشكّلت قصته موضوعا ثريا لعدد من المسرحيات والحكايات الشعبية المتوارثة، لكن وحتى أريح القاريء، فقصة التوربان لدى الأؤبرجين كانت مجرد إشاعة، لأن هذا الشعب لا يحب القيود.

يقيم في ولاية كوينزلاند وعاصمتها السياحية بريزبن الجزء الأكبر من السكان الأصليين، أغلبهم اندحر إلى أقصى الشمال بعد وصول الرجل الأبيض، ويقيم فيها الآن المهاجرون الجدد الذين وصلوا من الشرق الأوسط.

عندما انطلق العزف في منطقة دارة الإذاعة، اندهش السامعون، وأصبحت الموشحات النغم الطاغي في منطقة عاش فيها سكان اعتمدوا العزف على آلة النفخ، Didgeridoo، عزف الأؤبرجين الألحان شبيهة العوامل الطبيعية، مثل العواصف الرعدية وصفير الرياح المدمرة.

كانغرو بوينت، نقطة تجمّع فيها حيوان الكنغر وواحدة من أقدم الضواحي، وغنية بالأحداث التاريخية، وأسماء الشخصيات التي زارتها وأثرت معالمها الجيولوجية والأدبية، وتعتبر أيضا موقع قدم العائلة البريطانية الحاكمة، والمكان المفضل لدى ملكة بريطانيا، إليزابيث.

اشتهرت الضاحية بعصابات الشوارع العنيفة والصاخبة، وشهدت العديد من أعمال الشغب بداية القرن العشرين، وكانت فارغة وخطيرة جدا، حتى أن السكان الأصليين اعتمدوا أسطورة تحكي عن نهر بريزين، وسمي في لغتهم Maiwar.

سنة 1886 مرّت عائلة في المنطقة وصلت من بريطانيا، والتقطت الصور المرفقة للمقال قديما. وقالوا عنها: (هي منطقة خطيرة، ولم نصدّق أنفسنا أننا اجتزنا الخطر).

عندما وصلها المكتشف جون أوكسلي عام 1823 ، وصفها قائلا:

( غابة مليئة بأشجار المانغروف، محاذاة غابة مفتوحة في الأراضي المرتفعة ومغطاة بالعشب ).

خلال فترة تسوية المُدانين (1825-1841)، تمّ تطهير المنطقة، واستخدمت بعد ذلك لزراعة المحاصيل، ثم فُتح المجال للإستيطان المجاني، وكانت أول مبيعات للأراضي سنة 1843. ومن بين المشترين الأوائل، النقيب جون كليمنتس ويكهام، وقام مهندس المساحة جيمس وارنر ببناء أول منزل في كانجارو بوينت في عام 1844، وموجود حتى الآن.

حديثا، صُمّمت المنطقة بعناية حول انعطاف النهر الذي بدا مثل أفعى تتلوّى.

استقطعتُ مقطعا من قصيدة لأحد الشعراء الأستراليين، ألن جيفريز، وصف الحياة البوهيمية التي كانت، كتبَ:  “ رائحة كريهة تفوح مني

   حين ألوك المرهوانة

   مرتديا سترتي

   مدحرجا جسمي على العشب

   الأخضر

   قريبا من حظيرة الرياح

   أكاد أجنّ من سحر القمر”.

وأقول: يا لسحر القمر، ويا للقدود الحلبية في غياب Didgeridoo، ويا للفكرة العظيمة إن خرجت سينفونية خالدة يمكنها أن تمزج بين العالمين موسيقيا، يا لها من فكرة جهنمية.