وجدان عبدالعزيز
وجدان عبدالعزيز
كان الفيس ذلك العالم الافتراضي، الذي يغرينا في غرابته وطروحات مستخدميه، اصبح نافذة اخرى للتعرف على شخصيات ثقافية حقيقية، تحمل بصمتها الثقافية الجميلة في عالم الكلمة، فكانت الشاعرة رامونا يحيى، التي تحمل هموما انسانية تجادل زمنيتها، محاولة الهروب من الواقع وتعويضه بافتراضات الاحلام الجميلة، وباعتبار الزمن احد عناصر تكوين العقل الثقافي، فكان تمسك الشاعرة بالزمن واضحا، كونه يساهم مساهمة فاعلة جذرية في صوغ نُظُم هذا العقل والإحاطة بطبيعته، وتشكيل رؤيته وقدرته على التفاعل مع المحيط الذاتيّ من جهة والمحيط الآخر من جهة ثانية، ولا بدّ لهذا العقل من إدراك حقيقيّ وتمثّل نوعي واستيعاب كلّي لشكل الزمن وفعله وحركيته وتاريخه، من أجل إتقان الصورة المثلى المناسبة، التي عليه أن يتعامل معه على وفقها، والزمن أزمان بحكم طبيعة توجيه الفكر الزمنيّ والتقاط حساسيته وسبل تسييره على خطّ السيرورة، تقول رامونا يحيى :
(يمضي الزمان
والأرض نفس الأرض
لاشيء يحدث أو سيحدث
كلّ ثانية تمرّ بنا كما مرّت
وتتركنا … وتنظر في ازدراء
ماذا بوسع النائمين
وليلهم يحلو مع الأحلام والهمسات
وهل لاحظت …
أنّ مسافراً لم يستطع صبراً
على الذكرى
يفارقها
ويُمعن في البكاء؟)
هذا الجدل في مسيرة الزمن ودواران الامكنة معه، يجعل الشاعرة تتوقف عند الاحلام والهمسات، لكنها تتصاعد مع حركة الزمن بقولها : (وتظل أمير عشقي الذي يرجع الفرح للقلب/والضوء للعين/تملأ روحي غناءً/إذا لفها حزن هذا الزمان الأليم/وطيفاً يلازم عمري
يراقص ذاكرة الحلم في القلب/يأتي فيملؤني بالمسرة/بين مرايا سنيني التي قد علاها الوجوم/تظل في الروح نهراً من الحلم/رقرق تياره في الحنايا/وطيف نهارٍ بعيد/يطالعني من وراء الغيوم/يضيء حياتي ويمضي/ليتركني وردة في الهشيم.).. اذن هي تفترض وجود الاخر، الذي بمجيئه تمتليء بالفرح والسعادة، وهذا همّ اغلب الكاتبات في عصرنا الحديث، وهن يعشن تفاصيل الحلم خارج سياقات الزمن بتفاصيله كالايام والساعات والدقائق، اي انها تعلن مغادرة الزمن الحقيقي، لتعيش زمنا حلميا لحظويا، والعلة في هذا قد تكون الهروب من الواقع، فالواقع مهما كان جميلا يحمل ضغوطات معينة يجعل الكاتب يحمل نزوعا للهرب من ضغوطاته .. فالزمن في منحاه وسياقه العام، يأخذ أبعاده ويؤسس منطقه استناداً إلى طبيعة الميدان الذي يفعل فيه ويتمظهر من خلاله. ثمة أزمان مختلفة ومتعددة ومتنوعة تأخذ أشكالها وألوانها من خواص الميدان وكيفياته. فثمّة زمن فلسفيّ، وزمن تاريخيّ، وزمن نفسيّ، وزمن أدبيّ (شعريّ وسرديّ)، وأزمان أخرى تتشكّل على وفق التوصيف الذي يتعامل به مستخدم الزمن على صعيد الرؤية والتحليل والتوجيه، فرامونا تعيش زمن نفسي ادبي، بمعنى انها تعاني ضغوطات الحياة، فتلجأ للكلمات الادبية التي تحمل زمنا ادبيا، فهي تعيش صراع الزمن النفسي والزمن الادبي، لكن لها موقف وهدف معينين .. وبقولها هذا :
(أخبروني متى تستيقظ عيونكم
سماءً من عسلٍ
ويفرك المغيب بين أيديكم نرجسه ؟
ما هي المواعيد
متى نتعانق؟
متى تتزاوج الفصول مع حصادي ؟
في أيّ صيف يا أصدقائي ؟
أريد أن أحدثكم عن طفولتي
عن ذبولها
وعن الفرح الذي لا أعرف إلى أين يذهب
كنت أعتقد أن الفرح إسم أجنبي .)
تظهر تجليات امنياتها في الالتقاء والتخلص من هموم الغياب، ومحاولة صناعة زمن ملائم للفرح بعيدا عن زمنها الماضي في عالم الطفولة الذي ولى، فلابد من اجتراح لحظاتنا الحالية، ومن ثم صناعة الفرح الملائم لها .. وهنا تثبت انسانيتها، فرغم كل هذه العلاقة الطويلة مع الزمن تقف على الطرق ولا تهتدي إلى عناوين مشاويرها في مجرى الزمن. فأن طباعها الإنسانية ومواقفها الواضحة لا تزال متماسكة ومنسجمة مع ذاتها تماما كانسجام العلاقة بين القفل والمفتاح . بل أكثر انسجاما مع ذاتها من تلك الحالة إلى حالة تعكس تماهيا أكبر عمقا في علاقة اليدين وما بينهما من كيمياء وتوافق .
ملاحظة : الكاتبة رامونا يحيى / تجيد اللغات الثلاث: العربيّة والفرنسيّة والإنجليزيّة.