مجلة النجوم – سيدني.

بقلم الباحث بهجت أبو شقرا

في عالم الأدب حيث تُنسج الحكايات ويزدهر الخيال هناك لحظات نادرة يظهر فيها كتاب كقناة لعصر كامل يخرج أصواتًا تستحضر ذكريات تتجاوز الزمن. تأخذنا الدكتورة شادية الحاج، نجمة بارزة بحد ذاتها، في رحلة رائعة عبر ماضي لبنان المضطرب في مجموعتها الرائعة من الأدب والشعر والكتابة التراثية ترحل بالقارئ إلى عصر الحرب اللبنانية العاصف حيث أصبح اللبنانيون رموزاً للأمل والصمود وسط ظلال اليأس.

تحتضن كلمات الدكتوره الحاج شخصيات مشهورة وأخرى غامضة في المشهد اللبناني خلال السبعينيات وتدعونا لنشهد التزامهم الراسخ بلبنان وتفانيهم في الحفاظ على تراثه الغني وسعيهم الدؤوب إلى الثقافة. القصص والأبيات المنسوجة في نسيج كتابها نوافذ مشرعة على حقبة ماضية تدعونا إلى مشاهدة تجارب أولئك الذين وقفوا على حافة الهاوية وتجرؤوا على الحلم بمستقبل أفضل لأمتهم الحبيبة.

تبدأ رحلة الدكتورة الحاج بسرد أدبي يروي استيطانها في عالم جديد، أستراليا شديدة التنظيم تقابلها بالحياة المتناقضة للشعب اللبناني – ومصورة قدرتهم على احتضان الفوضى كجزء من وجودهم واعتبارها حالة حرية فريدة لا مثيل لها لا في الشرق ولا في الغرب. ولفتح نافذة على هذه الثقافة ترسم صورًا حية لشخصيات لبنانية عادية تعرض حياتهم وتقاليدهم. ثم تكتب لنا عن ذكريات وظيفتها التعليمية في المدرسة الثانوية في لبنان والنسيج الاجتماعي النابض بالحياة في القرية وغنى الطقوس الثقافية.

يتبع هذا البعد الروائي شعر الدكتورة الحاج يرسم للقارئ صورًا نابضة بالحياة وعن لأرض والأمهات والحرية وأجراس الكنائس. من خلال قصائدها تتعرض لديالكتيكيات الظلام والنور والألم والفرح والضعف والمقاومة وثنائيات أخرى تحدد التجربة اللبنانية ويتألق إتقانها للغة العربية الفصحى فيذكرنا فينا بمشاعر الحنين الساكن في القلوب يهجع لساعة ثم يعود فيتأجج!

في نسيج كتابها وتحديدا في الصفحتين 79 و 80 تكتب الدكتورة الحاج عن قصد بالعربيّة اللبنانيّة لا بالفصحى فيعكس هذا الشمول المتعمد المكانة الفريدة للبنان وشعبه في العالم العربي احتفاءً بثراء لغتهم وتراثهم الثقافي. ويتبع ذلك قصائد عن فأس على أصل شجرة ، وعن وداع للأم وعن سفيرة لبنان إلى النجوم السيدة فيروز، ثم عما يحمل معان عميقة في الثقافة اللبنانية والتراث المجتمعي. كما يضم كتاب الدكتوره الحاج مجموعة مختارة من أشعار الأستاذ أندريه جدعون مما يزيد من إثراء محتوى الكتاب الأدبى. تلي كل ذلك قصص الحرب اللبنانية  التي تستكشف الندوب التي خلفتها على الإنسان اللبناني ملمّحة لعدم جدوى الحرب.

مع كل صفحة تتألق خبرة الدكتورة الحاج العميقة كمعلمة وناشطة اجتماعية مما يدل على تفانيها في تمكين المجتمعات اللبنانية في الخارج. رحلتنا مع الدكتور الحاج توصلنا إلى فهم أهمية الحفاظ على تراثنا الثقافي ونقل الحكمة إلى الأجيال القادمة ، وتعزيز ارتباط لا ينفصم بين الماضي والحاضر. كتابها شهادة انتصار الأدب في إيقاظ الوعي الثقافي. ثم من خلال نثرها الأنيق تعيد إحياء بعض عمالقة الفكر في لبنان الذين مهدت روحهم التي لا تقهر والتزامهم الراسخ ببلدهم الطريق أمام عقول مثقفي اليوم. هذا الكتاب، وهو مورد لا يقدر بثمن للطلاب الشباب اللبناني في الشتات يدعو القراء لاحتضان تراثهم والاحتفال بالقدرة على الصمود والمضي قدما في السعي الفكري.

في قاعات الأوساط الأكاديمية لطالما حظيت الدكتورة الحاج بالاحترام لإتقانها العربية كلغة وأدب، وقدرتها على نقل المعرفة ببلاغة وشغف وكتابها هذا منارة أدبية تدعو القراء لاستكشاف حكايات التراث وأعماق الفكر.

لنرفع أقلامنا وأصواتنا احتفاءً بالدكتورة شادية الحاج كحامية حقيقية لتراث لبنان الفكري وكمنارة إلهام للأجيال القادمة.

سيرة ذاتية 

الباحث والكاتب سعد بهجت ابو شقرا

باحث وكاتب ومربٍّ وناشط إصلاحي ورجل اعمال لبناني له اهتمامات بمواضيع اللغات والثقافات والتربية والتعليم والفيزياء والرياضيات والشعر والأدب.

عضو مؤسس ونائب رئيس مجلس امناء الهيئة الخيرية النيوزيلندية اللبنانية ومدرسة اللغة العربية اللبنانية – أوكلاند ، نيوزيلندا.

عضو شرف في مجلس مستشاري مؤسسات SCOPE الاجتماعية التربوية الرائدة في لبنان

المدير  المنتدب المؤسس ل EDUGATES الدولية التربوية

قمت بتأليف مراجع عن ثقافات الشعوب ولغاتها ودربت بعثات رسمية نيوزيلندية إلى الخارج.

تخرجت من الجامعة الأميركية في بيروت باختصاصي الفيزياء النظريّة والتربية

بدأت حياتي المهنية كأستاذ تعليم ثانوي سنة ١٩٧٢ وعملت مع فريق فَتَح أبواب المنح الدراسية الجامعية لأبناء الشوف في الجامعة الأميركية

غادرت لبنان سنة ١٩٨٠ والتحقت بإدارة مؤسسات SABIS الدولية الطليعيّة والتي تحتل موقعا عالميا مميزا في قطاع التربية والتعليم ولها مدارس في آسيا وأفريقيا وأوروبا والأمريكتين منذ عقود وتخرج اكثر من عشرة الاف طالب سنويا يلتحقون بافضل جامعات العالم ومن خريجيها قيادات نالت مراكز عالمية رفيعة المستوى في جميع القطاعات من سياسية الى تربوية الى علمية الى حقوقية.

في SABIS بدأت أولا كقائد فريق عمل بنى نظامًا معلوماتيا كاملا في الثمانينات لمتابعة التعّلم والتعليم سابقِين بذلك مدارس اوروبا واميركا.

ثم تدرّجت معهم عبر السنوات لأصبح مديرًا للتعليم في مدرستهم في بريطانيا ثم مديرًا اقليميا مسؤولا عن مدارسهم في الشرق الاوسط.

سنة ٢٠٠١ اسست مؤسستي التربوية الخاصة EDUGATES International ومن خلالها صممنا ووضعنا مناهج وسياسات وأسسنا واستصدرنا تراخيص وقمنا بإدارة مدارس عديدة في لبنان والامارات وعُمان وقطر ووظفنا مدراءها وشكلنا فرق العمل وقمنا بتدريبهم والإشراف على أعمالهم.

انتقلت إلى تبوزيلندا سنة ٢٠١٤ وفي نيوزيلندا ألّفت مصادر تدريبية عن الإسلام كدين وكثقافة وعن ثقافات ولغات اليابان وكوريا الجنوبية وكمبوديا وأفغانستان ودول الخليج العربي والشرق الأوسط العربي ومصر وجنوب السودان وكولومبيا ودربنا لسنوات بعثات رسمية نيوزيلندية للخارج وما زالت مصادرنا معتمدة من قبل قسم التدريب الثقافي واللغوي لقوات الدفاع النيوزيلندية.

أوكلاند،  ٢٠٢٣

رابط مختصر: https://anoujoum.com.au/?p=20369