مجلة النجوم – سيدني

بقلم : رجب البنا

للمفكر الكبير عباس محمود العقاد فلسفة خاصة في الحب كما كانت له تجارب خاصة أيضاً في الحب. فالحب عنده فيه «الاعتياد» وفيه شيء من الأنانية حتى لو أقدم صاحبه على التضحية من أجل من يحب، فالأنانية تبدو واضحة لأن المحب لا يتنازل عن محبوبه ولا يقبل أن يكون لشخص آخر. وفي الحب أيضا شيء من الغرور لاعتقاد المحبوب بأن إنسانا آخر يفضله على غيره من الناس واختاره هو فقط ورضى بألا يرتبط بأحد غيره.

وبسبب تعمق العقاد في دراسات علم النفس فإنه يشير إلى أن الحب فيه ما يطلق عليه علماء النفس «التناقض الوجداني» أي الحب والشغف والوجه الآخر هو درجة من درجات الضيق لأن المحب يعاني من الشعور بأنه أسير ومقيد بقيوده وعاجز عن الإفلات من قيوده.

وقد تعمى الأبصار في الحب كما تعمى في القضاء والقدر وقد يحاول المرء أن يهرب من هذا الحب فيجد نفسه يقترب بدلا من أن يبتعد، ومن حالات المحبين الإنكار فينكر الإنسان أنه وقع في الحب كما ينكر السكران أنه سكران والأمر يتلخص عند العقاد في أن الحب يملك الإنسان ولا يملكه الإنسان.

وفي تحليل العقاد لعاطفة الحب يرى إن فيه عواطف كثيرة وليس عاطفة واحدة، ففيه من حنان الأبوة ومن مودة الصديق ومن خيال الحالم وفيه من الصدق والوهم ومن الأثرة والإيثار ومن حرية الإرادة والاضطرار ومن الغرور والهوان وفيه كل ما يطرأ على النفوس في مختلف الأوقات والأحوال.

وحين سئل العقاد عن تعريف للحب أجاب بأنه من الصعوبة تعريفه تعريفا جامعا مانعا، ولكن يمكن تعريفه عن طريق النفي فالحب ليس هو الغريزة لأن الغريزة لا تعرف الاختيار والحب ليس الشهوة لأن الإنسان قد يشتهي دون أن يحب وقد يحب وتنتهي الشهوة بالقضاء على الحب.

والحب ليس الصداقة لأن الصداقة تكون أقوى ما تكون بين اثنين من جنس واحد، والحب لا يأتي بالاختيار لأن الإنسان قد يحب قبل أن يشعر بأنه يحب ودون أن يفكر في الاختيار والانتقاء.
والحب ليس الرحمة لأن المحب قد يكون قاسيا مع حبيبه عامدا أو غير عامد، وقد يقبل منه العذاب مع الاقتراب ولا يقبل الرحمة مع الفراق.

ويتساءل العقاد كيف يجمع الحب أحيانا بين اثنين لا يخطر على البال أنهما يجتمعان والجواب عنده لأن القلوب أقرب إلى التناسب والتجاوب فإذا تجاوبت القلوب نجد اثنين ينظران إلى الدنيا وإلى الحياة بعين واحدة.

وقد يحدث اختلاف السن لكن ذلك لا يمثل مانعا لحاجة نفس منهما إلى عطف الأبوة وطمأنينة التجربة ويقابلها حاجة النفس الأخرى إلى دفء العاطفة وإلى الرعاية فيقع التبادل في احتياجات اثنين مختلفين ويحد بينهما.

وأخيرا يلخص العقاد فلسفته حين سئل: هل الحب أمنية تشتهيها أم هو حالة تتقيها فأجاب إنه مصيدة فإذا أحببت من لا يحبك فهو أمنية تشتهيها وإذا أحببت من يحبك فهذه هبة سماوية فالحب هبة من الله.

رابط مختصر:  https://anoujoum.com.au/?p=16918