#مجلة_النجوم_سيدني

بقلم الكاتب والشاعر اللبناني – نعيم شقير

المصارع ملقى على الفجر…
دموع سرية تغادر شجر الخسارة…
تفيء ظلال الخيبة وأخذ يحصي جروحه وأوسمته…
الشلل أصاب نطقه وحركته…
وحدها لغة العينين صارخة…
تقطف من قواميس الاعتذار عسل الكلام…
وتقدمه في باقة من انكسار إلى ذات الشعر الأبيض…
وذات الشعر الأبيض الخارجة للتو من دار المسنين، نسيت في غفلة من الذاكرة ما اقترفته الأيدي الحميمة…
نسيت كيف أودعت سجن الرؤوس البيضاء وكيف دفعت بها الحلول السهلة إلى المواقع الصعبة…
لو قدر لها أن تأخذ الشلل عنه لما تأخرت…
لو فدر لها أن تقدم له نطقها لأفرغت حنجرتها من الرمل…
الحنجرة التي كانت مفتوحة على الشمس والحرية صارت غارقة في تراب دار المسنين…
أفرغ فيها ابنها الذهب، فصارت خرساء ولا تجيد سماعها إلا السماء…
المشهد مفتوح على مأساة تستولد الأحزان…
أحزان ممزوجة بالقهر وعذاب الضمير…
وحده الضمير لم يصب بالشلل…
ظل ينبض عقاب صارخ…
ظل يكوي العروق والأحاسيس…
ظل يستورد الندم والانهيارات…
النفس مكسورة حتى النخاع…
نشرات الزجاج تسري في العروق…
والندم هو الطبق الوحيد، وهو أشهى الأطباق…
* * *
فاض المكان بالدموع الساخنة الفواحة بعطر الندم…
ضجيج يملأ المكان ولا يخترق جدار الصمت…
يثقب الآذان ويكسر الزجاج بظلمته ويخترق المسام ويمسح الوجوه بأريج الخجل…
الثلاثة غارقين في الطبق الوحيد…
لا يجيدون العوم في اليم الصعب…
معصوبة عيونهم، مسروقة سعادتهم ومخطوفة ضحكاتهم وانفعالاتهم…
كل يغني ندمه عل طريقته…
الابن وجد الفاتورة أرخص من الثمن الحقيقي لفعلته…
يريد ان ينهض، ان يقوم كالصخر، ان يقطف زهور الاعتذار، ان يجمع باقات الدمع، ان يخط قصائد البكاء…
الأم نسيت في غمرة انشغالها طعنة اقرب الاقربين…
تريد أن تلملم حزنه، أن تضمد جراحه السرية، أن تقدم باقة السماح، أن تصرخ سامحتك يا ولدي، سامحتك يا مهجتي، سامحتك يا وجعي…
الأنثى الطارئة على العائلة موجوعة حتى النخاع…
أدركت أنها خسرت كل شيء، وأنها أقامت على شرفة الخيبة، ولبست تاج الفشل، وصارت عروس الاحزان…
خسرت كل الرصيد في لحظة سماوية عادلة…
خسرت زوجها، خسرت حياتها، خسرت ما كانت تصبو اليه كل امرأة…
لم تتمكن من تحصين حياتها الجديدة بزوج وحياة سعيدة…
صار العاجز طفلها الوحيد الذي لا يحبو ولا ينمو ولا يكبر…
طفل في الأربعين من عمرة وطفلة في الأربعين يوما من العمر…
الطفل الاول عاجز عن البكاء، وعن الضحك، وعن الحراك…
والطفلة لا تنفك تبكي ولا تضحك وتمزق الليل بصوتها…
* * *
ثلاثة يعيشون اجمل أنواع الخسارة وأثمنها…
خسارة لا تعوض…
خسارة فرضتها عدالة السماء…
لتكون درسًا لمن لم يتعلم بعد…
لتكون عبرة لمن يعتبر…
لتكون أمثولة يحتذى بها…
إنتبهوا أيها السادة…
إحذروا الرؤوس البيضاء من حولكم، وانحنوا لها…
غنوا لها قصائد الشكر والحب والوفاء…
لا تجرحوا مشاعر المسنين…
لا ترموهم بوردة…
فالورود تكون أحيانا أقوى من الحجارة…
والكلمة تكون حينًا أبلغ من الطعنة…
واللفتة تكون دائما رطبا جنيا…
تناقلوا هذه الامثولة من جيل الى جيل…
حتى يتعظ من لم يتعظ بعد…
وتذكروا ان تأخير المراجعة يؤخر القيامة…
ورجائي ألا تكونوا تأخرتم…
**

انتهى

رابط مختصر: https://anoujoum.com.au/?p=15200