اعداد / خليل الحلي

تجرع السم ولم يرضخ لحكم الرعاع

كان لسقراط ( أحكم حكماء اليونان) أسلوبه وطريقته الخاصه في نقد الديمقراطية في بلاده، بعدَ تحوّل النظام السياسي للحكم في أثينا إلى «نظام فوضوي» يُسيطر عليه « الرعاع «بأسم الاستحقاق والانتخاب الديمقراطي والمواطنة الحرة ( كما هوَ يعتقد ) ..
الحكم الديمقراطي من وجهة نظره يفتقد المقومات التى تجعل منه حكما عادلا، بفعل « الجهل « الذى يسيطر على عقول الجمهور، فيجعل المعايير الموضوعية لاختيار الحكام المناسبين وإبداء الرأى فى السياسات بصفة عامة غائبة عن هذا الجمهور ..
لذلك سخر َوشكك في سمعة الحكماء والفضلاء ، فأستاءت منه الشخصيات المهمة والحاكمه في أثينا ، لكونه الهَّم الشباب الأثيني فصاروا يُقلدوه حتى كُسرت القيم الاجتماعيه التي كان معمولا بها. ..
ومع ان سقراط قاتل من أجل أثينا و شجع بقوة على طاعة القوانين ، لكنها لم تشفع دون اتهامه ومحاكمته بـ إفساد الشباب والهرطقة !!
علماً ان سقراط كانت لهُ نظرة خاصة فيما يتعلق بالدين ، حيث كان يؤمن بقوة الحدس عنده فقط ، وقد اعتاد القول « أن العيش بالفضائل أهم من عبادة الآلهة « ..
وبعد أن اقتنع الحاكم بقضية الأتهام المطروحة أمامه، أمر سقراط بالمثول أمام اللجنة العليا في أثينا والتي تكونت من مواطني البلد المذكور بهدف الدفاع عن نفسه ضد التهم المنسوبة إليه …
واجه سقراط محكمة مكونة من 500 مواطن ، تم إختيار هؤلاء المواطنين عن طريق القرعة من بين الرجال المنتمين إلى مختلف الطبقات الاجتماعية وممن حملوا الجنسية الأثينية ..
نصحه طلابه بالهروب ودبروا له الوسيله والمكان ، لكنه رفض بسبب أيمانه بفلسفته ومبادئه ، وكيف يهرب وهو الذي يدعوا إلى اتباع واحترام القوانين..
وبعد أن قدم كلاً من المدعين عليه وسقراط ما لديهم من حجج وافادات ، أصدرت المحكمة العليا «الديكاستيرا» حكمها بالإعدام على سقراط، لأنه «إصلاحي» أكثر من اللازم ، و»يفسد أفكار الشباب خاصة» بنقده لنظام الحكم من جهة وآلهة اليونان التي ينسب لها «العصمة» من ناحية أخرى.

وكما جرت العادة، فهناك «استئناف» مسموح به للمحكوم عليهم قبل تجرّعهم السم، وقد حاول «كريتو» المكلف بإعداد السمّ لسقراط دفع سقراط لالتماس الاستئناف، غير أنّ سقراط قد رأى في طلبه الاستئناف «اعترافاً بشرعية نظام حكم الرعاع» في «الديكاستيرا» المحكمة العليا فرفض ذلك ، وخسرَ سقراط تعاطف المواطنين معه بسبب نبرته الساخرة من المحكمة والنظام وعدم طلبه العفو ، وتجرّع السم.

وبالطبع لم يكن مصدر الحكم على سقراط هو سخريته من «آلهة» اليونان، فكثيرون قد سخروا منها دون أن يُحكم عليهم، لكن مصدر الحكم هو انتقاده « للنظام « وإدانته «لسلطة الرعاع» و»مرجعيتهم» الدستورية باسم الديمقراطية …

لغاية اليوم مضى على اعدام سقراط 2417 عام ، ولا يزال الاحرار الذين يواجهون فساد الأنظمة الحاكمه في كل العالم ، يتهمون ويقتلون بنفس التُهم التي قُتل بها سقراط ..

– الصورة هي ( لوحة موت سقراط) بريشة الفنان جاك لوي دافيد 1787