أزهار …. بودلير – بقلم الكاتبة مشلين بطرس

أزهاربودليرترسم نور على صفحة براءتها زهرة يأخذني أريجها إلى عوالم ذاك الذي يحلم بالمشانق وهو يدخن الهواء … أتذكر أنني نسيتُ أن أسقي أزهار الشرّ التي أهداني إياها بودلير في عيد الأم الماضي. أعبئ إبريقاً من الماء، وأتجه نحو زهراتي …، تقفز في وجهي سمكةٌ تطلب نجدتي، فقد غرقتْ وأصدقاءها في قاع المحيط هناك، لأنها وُجدت في بحر نتنٍ لا تمسسه أناملُ شمسٍ ذهبية. ضرباتٌ قوية على الباب تفلِتُ السمكة من يدي، ويضيع حديثنا هباءً، أضع الإبريق جانباً مسرعة أفتح الباب. -آه…..آه… ياليتني ولدتُ مجموعةَ أفاعٍ، بدلاً من أن أغذي هذه المسخرة.

. تلقي والدةُ الشاعر كلماتها تلك في وجهي وتركض إلى حيث أتت، ألحق بها على عجلٍ،فأنا لم أقم بواجب الضيافة معها، لكنها، تبتعد وتبتعد … وأركض خلفها، وأركض…. أصطدم بجنازة خارجة للتو إلى مثواها الأخير يقولون أنها جنازة أمٍّ قطعت يدها وكتبت في وصيتها: -إذا كنتم تريدون أن تضربوا أولادي، فهذي يدي اضربوهم بها بعد مماتي.

أسبح في بحر من الدموع، فينتشلني من غرقي صبيٌّ صغير كان يشدني من طرف قميصي قائلاً: – خالة ياخالة…إني جائع ياخالة. أنقده بعض المال، فيتبخر من أمامي مسرعاً إلى أقرب دكان، طالباً مني لحظة انتظار، ليعود إليّ بفرحٍ وقد أحضر علبة طباشير، وراح يرسم على الحائط رغيفَ خبزٍ تفوح من أبخرته الأحزان!!! أغضبني جداً مافعله هذا الصبي المشاكس، فشددته من أذنه ساخطةً، لكنه وبخفة استطاع أن ُيفلِت مني، عائداً إلى الحائط يكتب تحت الرغيف هناك: – أحن إلى خبز أمي، وقهوة أمي، ولمسة أمي…. أضمه إلى صدري، وأكفكف دمعه واعدةً إياه أن يكون لي ابناً وأكون له أماً…..

تركته ينتظرني مع الرغيف والحائط، وتبعتُ الجنازة إلى المقبرة. فتحت باب الموت، فهبت رياحه ممتطية رائحة عفنة، وظلام دامس دامس، أراني مصيرنا البائس، فاعتمرتني حيرة بين يأس العيش وحُبّ الحياة، وأخذني الل مكان إلى أعماق لا يُسبر لها أغوار، وكحبلٍ طويل المدى سحبني الموت إلى سوداوية العدم، وعندما هممتُ بالدخول إلى سراديب الظلام، أوقفني عن خطوتي وصولُ شخصين إلى المقبرة، كان أحدهما يردد ماقاله برنارشو: “أننا لانتوقف عن اللعب لأننا كبرنا، بل نكبر لأننا نتوقف عن اللعب” دون استئذان أقطع حديثيهما قائلةً: كلّ شيء قبض عدم …وعدم، لذلك سأرسم في اللوحة أرنباً، تستلقي على مائدة طعامه جزرة ذبلت ألوانها خوفاً من أفعى، تلتف كزوبعة ستبتلع البياض كله في لحظة قفص.

أتركهما مع تأويلات الدهشة والاستغراب، وأترك المقبرة خلفي عائدة إلى البعيد البعيد… أصل إلى منزلي منهكةً،أجده يدخن الهواء، يرحب بي قائلاً: “أنا أعرف أن الألم هو النبل الوحيد الذي لاتستطيع أن تعضه الأرض ولا الجحيم”، فهيا إليه يانور…. تصحو نور من غفوتها، لتجد نفسها في مرسم صديقتها والريشة بيدها. تناديني صديقتي بأعلى صوتها: – نور….يانور، افتحي الباب يانور فهاهي باقة من الزهور تدقُّ بابنا.أزهار …. بودلير

رابط مختصر…https://anoujoum.com.au/?p=6734&preview=true