دينا سليم – بريزبن
سقطت سلّة البيض من يدها، أربكها الموقف وتذكرت ما قاله لها الطبيب: (افعلي ما يحلو لك، وما يرضيك الآن، فمرض الشلل الارتعاشي الذي تعانين منه بدأ يصل مرحلته الجادة).
ضاقت بها الدنيا، اختنقت فبكت، أطلّت عبر النافذة نحو الشاطيء، أخذت الأمواج بالإنسحاب ساعة الغروب، هربت إليه تشكو له همها، صلّت وبكت، وحكت، ظهر أمامها شخص شاركها صلواتها وشكواها، أخذها من يدها المرتعشة وسار بها قائلا: (تمارين المشي تحسّن من وضعك)! توقفت فجأة لاستنشاق بعض الهواء، ثم نظرت إلى البعيد، صبغ الحزن محياها وبكت. أمسكها من يديها وراقصها على أنغام الموج الساكت، لم تتمنع وعملت بنصيحة طبيبها، فمنذ ظهور الأعراض الأولى للمرض لم يراقصها أحد، حتى زوجها، تركها تصارع المرض وحيدة.
نزل بها إلى سطح البحر الجاف، وقفا داخل قطعة انحسرت عنها المياه المالحة، وطلب منها أن تبحث عن أسماك غافلة، ليعيدانها إلى الحياة، عشرات، طمرت رؤوسها وبحثت عن ماء، (الأسماك أيضا تستنجد الحياة)، قالت له، فأجابها بالموافقة هازا رأسه إلى الأمام، صرخت فرحا، وصرخ معها انتصارا، وقال: (لقد أعدنا الأسماك معا إلى الحياة، تعالي لنعيد الحياة لأجلنا أيضا!)
حدث ذلك مساء، ولم يكن حلما، واقع عاشته تمنّت أن يتكرر، وتكرّرت مهمة إعادة الأسماك إلى الحياة، أمضت لحظات جميلة رفقة صديق لا تعرفه، ولم تسأله عن اسمه، ساعدها ذلك اليوم بتنظيف مطبخها من البيض المسفوح، وبقي يساعدها بتلقيها العلاج، ناولها أدويتها كلما اشتد عليها الرعاش، حتى أنه أدخلها يوما إلى سريرها لتخلد بنوم هنيء.
قالت له بصوت مرتعش: لمرة واحدة في حياتي الطويلة القصيرة، أقابل إنسانا مجهولا يؤمن بألوهية الإنسان، أشكرك إيها الإنسان الإله.