أن تقول حفلاً موسيقياً في غزة ذاك ما يشبه انتظار ولادة جنين بعد عقم طويل. إذ يكون الجميع متعطشاً لأمومة وأبوة الفرح فيعطيه ما يكفي من السلام والأمان.
في قاعة مسرح الهلال الأحمر بغزة استطاعت فرقة (وتر باند) الموسيقية أن تجتمع بما تيسر من اللهفة مع جمهور مدينة غزة بإقامة حفلهم الموسيقي الأول والخاص بالفرقة. والفرقة انطلقت من غزة بفكرة شبابية بحتة عام 2008 وباكورة أعمالها كان حفلاً على أنقاض ما خلفت الحرب في المدينة. وبعدها انطلقت لتشارك محلياً ودولياً برعاية من مؤسسات العمل المدني والمجتمعي في القطاع وخارجه. ولعل تميزها الحقيقي يبرز في تقنية التوزيع الموسيقي الخاص بهم والذي يجمع بين الروك والبوب.
توليفة غنائية مميزة
استطاعت الفرقة أن تجذب الجمهور بسرها الذي صرح به خميس أبو شعبان أحد عازفي الفرقة ومؤسسها “الانسجام الحقيقي بين الفريق وطبيعة التناغم بين الأمزجة داخل الفرقة هو سر بقاء واستمرار اسم الفرقة بين الجمهور الغزي” وهذا ما ظهر حيث طغى انسجام الفرقة وتفاعلها على جمهور الحاضرين والذي بدا خجولاً أن يرقص في بداية الحفل على أنغام أغنية الافتتاحية (وين ع رام الله) والذي أصدرتها الفرقة مؤخراً بتوزيع موسيقي مختلف ومميز يجمع بين أصالة التراث الفلسطيني وحداثة الآلة الموسيقية. لتتنوع الفقرات بأغنيات شبابية متنوعة أبرزها للفنان عمرو دياب وغيره من النجوم العربية التي لم يصدف لغزي إلتقاها أو حضر حفلاتها إلا عبر السوشيال ميديا والفيديو كليب. لتتوالى بعدها موجات مختلفة من الوصلات الطربية المتنوعة من قدود حلبية وفلكلور شامي وأداء مميز للمغنيين الأساسيين في الفرقة نادر حمودة، وأحمد الحداد الذي أعلن عن انضمامه للفرقة مؤخراً.

 

ديكور بسيط ومتناغم
هنالك بعض التفاصيل الذي يعيشها الغزي والتي صارت جزءاً من هويته ويومياته كالعتمة التي من الممكن أن تطغى على يومه أكثر من أربع وعشرون ساعة وغيره من الكراكيب الخشبية التي صارت أساسيات البيوت التي قد تستخدمها كبديلاً في ظل انقطاع المحروقات شبه الدائم فجاء الديكور مستوحى من هذا الواقع قماش أسود يسنده كراكيب خشبية أو ما يعرف غزياً (خشب المشطاح)
حضور متباين ومختلف
عادةً ما يصيب الكسل الجماهير في يوم الجمعة فتلغي نشاطاتها الخارجية خاصة في ظل الأوضاع التي تسيطر على الحالة الإنسانية الغزية إذ ذهبت إلى الحفل وأنا أعتقد أنني سأجد عشرات الأماكن الفارغة لتوقيت الحفل المرتبط بيوم الجمعة ولكن المفاجأة الحقيقية كانت ببحث طويل عن مكان إذ امتلأت قاعة الحفل بمن يقفون أكثر ممن يجلسون في قاعة تتسع لأكثر من 500 شخص تقريباً والذي تفاعل بشكل كبير مع الأداء الموسيقي وتميز الحضور بتباين طبقاته وهوياته مابين شابات وشباب فتيان وفتيات حضور متنوع لطلاب جامعيين استطاعوا شراء تذكرة دخول لحفل موسيقي بتكلفة 25 شيكل أي مايعادل 8$ وهي تكلفة عالية لطالب جامعي غزي في ظل الأوضاع الاقتصادية لكنه كان حافزاً لدى رهام إحدى الحاضرات “جئت إلى حفل وتر باند واقتطعت من مصروف الأسبوع القادم كي أرى شيئاً مختلفاً في غزة الاستثنائية”
أما محمد الذي اصطحب عائلته للحضور “الحاجة للفرح هي الدافع الأساسي لوجود هذه الأعداد اليوم رغم عدم تعود المجتمع على المشاركة في أنشطة مجتمعية خاصة في يوم إجازاتهم”
حضور نسائي بين الجمهور، غياب نسائي بين الفرقة.
ليس حراماً أن تشارك النساء في حضور حفل موسيقي هنا في غزة، لكن عليها الالتزام بالتصفيق والتلويح دون لفت الانتباه. كذلك ليس حراماً أو عيباً أن تلتحق الفتيات والشابات الغزيات بفرقة موسيقية ومع ذلك فمنذ بدايات الفرقة فلم تشهد تغييراتها أن تشارك فتاة ضمن أعضاءها والسبب يعود بوجهة نظر خميس أبو شعبان “ بأن تجربة الشابات مقترنة بالتعليم الأكاديمي البحت والخاضع لمؤسسة إدوارد سعيد المؤسسة الرسمية والوحيدة لتعليم الموسيقى في قطاع غزة والتي تتخرج منه عازفات ملتزمات بالعزف الكلاسيكي الشرقي والغربي والذي لا ينسجم مع فكرة الفرقة ولكننا نطلع بشكل أساسي لمشاركة الشابات والنساء عموماً والباب مفتوح لهن طالما قدمن المختلف والجديد للفرقة”
إذا لا حرام يستطيع منع غزة من تشبثها بالحياة والانطلاق نحو حاجتها الإنسانية والأساسية في ظل عتمة تلفها من كل الاتجاهات وتحكمها سلطة الدين والشرع والعادات. لكنها تواجه وتواجه وإن كان على استحياء لكنه في كل مرة استثناء.