عندما عاد فؤاد أبو مراد، البالغ من العمر 19 عامًا، مع والده إلى منزلهما في الضاحية الجنوبية لبيروت، استقبلتهما رائحة كريهة للطعام الفاسد والأثاث المحترق، تلك الرائحة التي أعادتهما إلى لحظات المعاناة التي عاشاها بسبب الهجمات الإسرائيلية التي قلبت حياتهما رأسًا على عقب. فؤاد، الطالب في جامعة “سيدة اللويزة”، وعائلته اضطروا لمغادرة منزلهم في سبتمبر/أيلول أثناء الحملة الإسرائيلية على لبنان.

وصف أبو مراد مشهد العودة إلى منزله قائلاً: “رؤية المكان الذي نشأت فيه في هذه الحالة كانت صادمة. لم أمرّ بتجربة مشابهة في حياتي من قبل. كان وكأنه مشهد خرج من فيلم رعب”. وأضاف أن رائحة المنزل كانت “تنبعث منها رائحة الموتى”.

وبالرغم من دمار منزله، بحث أبو مراد في أكتوبر/تشرين الأول عن أدواته الدراسية، استعدادًا لاستئناف الدراسة في جامعة زوق مصبح، رغم الظروف القاسية. لكن تأثير القصف الإسرائيلي كان مدمرًا على التعليم اللبناني، حيث نزح حوالي نصف عدد الطلاب، أي نحو 1.25 مليون طالب، حسب وزارة التربية اللبنانية. ورغم التهدئة المؤقتة بين إسرائيل وحزب الله في نوفمبر/تشرين الثاني، إلا أن آثار الحرب على الطلاب كانت عميقة نفسيًا.

الطلاب مثل أبو مراد يسعون جاهدين للعودة إلى حياتهم الدراسية والتعافي من صدمة الحرب، لكن ذلك لا يأتي بسهولة.

من جهة أخرى، يتذكر ساجد سالم، الشاب اللبناني البالغ من العمر 23 عامًا، يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني، الذي وصفه بأنه “ليالٍ من الجحيم”. كان سالم يعيش وحيدًا داخل الحرم الجامعي في جامعة القديس يوسف في بيروت خلال القصف الإسرائيلي المكثف. وأثناء جلوسه في صف دراسي، اهتزت جدران المبنى جراء الانفجارات القريبة، مما جعل سالم يشعر بالرعب الشديد.

وعن تلك اللحظات، قال سالم: “كنت مرعوبًا تمامًا، أبكي وأصرخ”. ورغم شدة القصف، استؤنفت الحصص الدراسية في الجامعة، مما اضطره للسفر إلى بيروت بانتظام لإجراء الامتحانات رغم القصف المستمر. لكن على الرغم من الجهود، فشل سالم في اجتياز بعض الامتحانات بسبب الظروف الصعبة.

الآثار النفسية لهذه التجارب كانت هائلة على الطلاب. وفقًا لمورين فيليبون، مديرة المجلس النرويجي للاجئين في لبنان، فإن “التعرض المستمر للعنف والنزوح يسبب توترًا شديدًا ويؤثر على قدرة الطلاب على التركيز وتعلم المواد الدراسية”. وتضيف أن بعض الطلاب لا يزالون يعانون من الخوف حتى بعد انتهاء القصف، حيث يمر الأطفال في بعض المناطق بحالات من الهلع بمجرد سماع صوت الطائرات.

الطلاب اللبنانيون مثل سالم وأبو مراد يجدون أنفسهم في صراع مزدوج: بين مواجهة القصف وبين محاولة استكمال تعليمهم. ورغم الدعم الذي يحتاجه هؤلاء الطلاب، فإن الخبراء يوضحون أن المعلمين أنفسهم تأثروا بالحرب أيضًا، ما يجعل توفير الدعم لهم أيضًا أمرًا بالغ الأهمية.

أحمد التليلي، أستاذ التكنولوجيا التعليمية المساعد في جامعة بكين، أشار إلى أن القوانين الدولية التي تحمي حق التعليم في أوقات الحرب غالبًا ما تكون غير مفروضة بشكل كافٍ. وأكد التليلي على ضرورة جهود منظمات دولية لضمان تطبيق هذه القوانين على أرض الواقع، مما يتيح للطلاب فرصة الوصول إلى التعليم حتى في زمن الصراعات.

في ظل هذه الظروف القاسية، يبقى الأمل في استعادة الحياة الطبيعية. فؤاد أبو مراد يأمل أن يعود لبنان إلى وضعه الطبيعي، رغم القلق من المستقبل. “لا نعلم ماذا سيحدث بعد ذلك… لكن علينا أن نحاول المضي قدمًا”، كما قال.

في الوقت نفسه، يظل القلق يساور الطلاب مثل سالم، الذين يدركون أن الوضع في لبنان قد يزداد تعقيدًا، خاصة مع الأحداث في سوريا المجاورة. “نحن نتابع بقلق، لأن ما يحدث في المنطقة يؤثر علينا بشكل مباشر”، قال سالم، معبرًا عن مخاوفه من تبعات المستقبل.