أجرى الحوار/ماجد البلداوي

*ثمة أسماء حفرت لها في خارطة الشعر العراقي مكانا بارزا،رغم انه لم تأخذ حصتها الكافية من الأضواء أو النقدية العراقية..والشاعرنصيرالشيخ أحد هؤلاء فهو منهمك باشتغالاته الشعرية،ونصوصه لها خاصية التميز وسط الفضاء الشعري،فهو شاعر استثنائي له طقسه الخاص في الكتابة

الشعرية وما يرافقها من طروحات نقدية،كعملية مكملة تصبو لغاياتها الجمالية…

زرنا الشاعر في مشغله وكان لنا معه هذا الحوار..

س/هل يمكن الرهان على الشعر في زمن الصورة والبرامجيات والميديا..؟

الشعر لايموت..لأنه لايدخل في عملية استباق سلعي مع الحاجات المادية..الشعرهونشيد الروح حتى الأبد..قد يبدو الكلام هذا مثالي التصور،ولكنه أي الشعر هكذامفارق لماديات الحياة،وهو يضئ دواخل الروح التي تتأثر بعوالم الحياة ومعطياتها،وصخبها،وعنفها وجمالها.

الشعرهوالصْدفة التي تنعكس عليها إشعاعات العالم الخارجي،فتتوحد فيه الصورة الشعرية التي هي النبض بين الحقيقة والخيال،بين الملموس والمتخيل،بين الكائن والذي سيكون..

للشعر زمنه الخاص الذي يبقى يحرث في الزمان والمديات،نعم يتحول الشعر..!تتغير طرق كتابته..!يدخل مناطق أكثر وعورة وحداثة،كل هذا جائز،وهنا سرّحيويته وتجدده وكذلك سرّانبعاثه كونه خلقا جماليا.

س/قراءة آنية لمنجزك ،نرى قلة نتاجك الشعري..؟

*نعم هذا تشخيص وارد،إني مُقل في كتابة القصيدة تحديدا،قد لااجد جوابا مقنعا لهذه الحالة،ولكني أقول،بعد هذا الكم الكتابي،أصبحت انظر إلى كتابة القصيدة بمسؤوليةاعمق واكثرجدية،ذلك يقربني من حافاتها الخطرة التي تضعني أمام( النوع)الكتابي ومديات توصيله،وكلنا يعرف الآن مساحة الكتابة شعرا،واضطرادها واتساعها.

الشعرقيمة اعتبارية وجمالية في نفس الوقت، لأن ثمة مسارات وروح شبابية جادة تعنى بأستمراريتهُ.هذا جانب،الجانب الأخر،هو انفتاحي على الكتابة النقدية والتي اعتبرها(محايثة)لكتابة(القصيدة)،ذلك إن كتاباتي في حقل النقد(متابعات ثقافية،قراءة في ديوان،رأي في العملية الشعرية..الخ)كلها تصب في مشغلي الشعري وهي بالتالي محركات بحث لاستكشاف مناطق جديدة،والمساهمة في تواجدي ك(منجز)في مساحة الكتابة عراقيا،ذلك واضح وجليّ في حضوري الراسخ في الصحف الصادرة والمجلات الأدبية والدوريات الثقافية..

س/ماذا يشكل الشعراليك..وكيف تنظر الى الأجناس الأدبية الأخرى..؟

*الشعر،هو أسمى الخيارات التي تليق بأنسانيتنا،هذا ماقلته وسأردد قوله،الشعر بالنسبة لي ليس مهنة،انه اقرب مايكون{قدرا}وما أدراك ماالأقدار…هل تعصف بك..؟هل تضع على جبينك أكاليل الغار..؟هل تدفعك رياحها لشواطئ لم تفكر بالوصول إليها..؟كل هذا مجتمعا شكلّ الشعر.. وعوالمه،ُهي مدار حركتي باتجاه العالم والأشياء والتجارب والوقائع…من هنا لايعني حيازة الشعر لي كوصية ألهية لامناص عن التجرد عنها،أو انه – فصل المقال- لحياتي كمساحة ثقافية،لايأتيها الباطل من أمام أو خلف..لا،أنا انظر للشعر مساحة اشتغال ومختبر كيميائي الحياتي،والافالكلام فيه من التجني الكثير،لأن العالم يشهد تحولات كبرى،وانفتاحا لم تشهده الأزمنة،وحقول الأدب ليست بمنأى عن هذه التحولات.

أما بشأن الأجناس الأدبية،فأرى أن الرواية هي الحضور الأكبر في المشهد العالمي،أدبا وفكرا ونقدا اجتماعيا،فهي استوعبت مساحة المسائلة عبرطروحاتها ومن ثم إيجاد معالجات لهذا الواقع الذي تحدثت عنه،ونقدها المستمر والفاضح لبنية المجتمعات العربية،نُظما سياسية وتراكيب اجتماعية وطوباوية مجتمعية،فكيف لاأعنى بمتابعة هذا الخطاب..وأنت تعرف أيضا مقدار اهتمامي بتاريخ الفن التشكيلي وتجارب فنانيه،ولي مساهمات في هذا الحقل.

س/ماهي ردود أفعال النقد تجاه إصداراتك..وهل من مطبوع جديد..؟

*لقد حظيت مجموعاتي الشعرية الثلاث،بآراء نقدية مهمة من قبل أسماء نقدية معروفة،وهذا شئ ايجابي يتساوق طرديا مع حضورها النوعي في الشعرية العراقية…

س/لديك حضور لافت في العملية النقدية،ماهي زاوية اشتغالكم في هذا الحقل..؟

*في البدء لي اعتقادي الجازم على أن العملية النقدية ضرورة قصوى لمتابعة النتاج الأدبي الصادر،وتأتي هذه الضرورة من كونها معنية بإضاءة جماليات النص وخباياه،ومن ثم استكشاف أبعاده القصية،وتحليل آلياته بإحالتها إلى مرجعياتها وبصيغ فنية عالية،كل هذا يجعل من العملية النقدية ليس كتابع،مثل قطار يجر عربته على نفس السكة،لا،الأمر هنا لأخذ إبعادا أكثر حداثة..

النقد الآن في تمثيلاته هو إعادة إنتاج النص،والذي هو نقد للحياة وتصوراتها،وحسب جنسها الكتابي(شعر،قصة،رواية،مسرحية..الخ)هذا لايعني أن حديثي تفضحه تمثلات (بنيوية)،بل إن النص هو مايمنحه لقارئه،رغم هيمنة المناهج النقدية والتي تأخذ جانبها التخصصي الأكاديمي،لكن ماانا عامل عليه- وربما غيري من شعراء جيلي-أني اقترب من عوالم النص وأدون مايمنحني إياه من معطيات،وتكمن محاولتنا هذه في جزء منها بسبب غياب النقاد(الكبار)إن صح التعبير..!أعود لكلامي وأقول..الناقد هوقارئ نموذجي بامتياز،والذي يتقبل المغامرة ليطأ عوالم النص ةابعاده،والإتيان باستنتاجات جمالية لاتخلو من معرفيات،هذا ما أنا مشتغل عليه وفيه وبحدود إمكانياتي الفنية.

س/ماهي حدود الثقافة العراقية كأثر في بنية المجتمع العراقي…؟

*الثقافة العراقية هي نتاج إنساني متأصل،وهذه حقيقة لاتنكر..ناهيك عن ثقلها في مساحة الثقافة العربية،وخطوتها المتقدمة(شعرا وتشكيلا ومسرحا)،ولايمكن تجاهل قوافل المبدعين العراقيين الذين أسسوا ريادتهم الحقة..وبمسح سريع على جسد المجتمع العراقي للذي أخضعته السياسات المتعاقبة إلى عمليات جراحية شوهاء،غرضها قتل روح الإبداع فيه،وتفريغه تماما من شحنة الإحساس بالحياة..وما الفن والأدب إلا وجهان ناصعان للحياة التي نريد.لذا أقول أن الثقافة كمفهموم يتغلغل في بنية المجتمع،ويحقق تصوراته الجادة لبناء إنسان نموذجي وبظرف عصيب وتقلب مثل الذي نعيشه الآن..أجد فيه من الصعوبة الكثير لأسباب ودوافع يطول شرحها الآن…اماالأبداع العراقي وبصنوفه،فهو متوفر وأكاد أشبهه بنهر مياه جوفية،إذ كلما اشتعل وجه الأرض بصليل القذائف،ومرت عليه مخالب الإرهاب..كان نهر الحياة متدفقا يختار تربتهُ التي تعلن نماءها المستمر.

ٍس/ماهي قراءتكم للمشهد الشعري العراقي..؟

*المشهد الشعري العراقي يشكل مساحة واسعة العطاء والتحول في رقعة الأدب العراقي،وهو قادر ومنذ مراحل تأسيسه على حفر أنساقه النوعية في الكتابة الشعرية،وله السبق في هذا.واعتقد إن هذا الهاجس الذي تحول إلى (معامل نوعي)في كيمياء الكتابة،هو من احتفظ بديمومة خلق أشكال مغايرة ومتجددة في معمارها الفني،وفي هذا امتياز واضح على تجدد الرؤى كذلك،وهي بالتالي تمنح النص عوالمه..وإذا شئنا فالتجارب بشعرائها متجددة وشابة،واللغة تصهل فيها المتغيرات،والحداثة تشكل عنونتها كبعد فكري،والوعي أثره واضح في سياقات النص،وما بعد الحداثة تتجول في أرجاء معالمها حيث النظر إلى الموضوعات وزاوية التعبير عنها،وبما يقربها من اليومي المتماس مع روح الأشياء،وبأسلوبية تحمل من المرارة الكثير،وهذا ديدن الشاعر الذي يبتني عوالمه ليس الخيالية فحسب،وإنما هي زاوية نظرتجترح بناء جمالات مثلى لعالم خلومن القبح والحروب والدمار.

***والشاعر نصير الشيخ مواليد مدينة العمارة1962،نشر قصائده في الصحف والمجلات العراقية والعربية،فاز بجائزة الشعر لمسابقة جريدة الزمان 2006، وجائزة ميدالية الجواهري /سدني / استراليا عام .2017وهو يعمل في المجال الإعلامي

وصدر له/مساقط الظل-بغداد-1997،في أعالي الكلام – دار الشؤون الثقافية 2000،شجر من محنة الوقت/شعر/ دار الينابيع/ سوريا 2010، كأس لحياة أخرى/ دار الشؤون الثقافية/ 2017 . النافذة والظلال/ تجارب في التشكيل العراقي/دارأمل الجديدة 2019