بقلم / سهير آل ابراهيم

أي شيء يصبح ممكناً عندما تملأ قلبك بالايمان بامكانية حدوثه،
هذا ما تعلمته من الماء. ماسارو ايموتو

ماسارو إيموتو باحث و مؤلف ياباني إضافة لكونه رجل اعمال و مصور فوتوغرافي. من مواليد القرن الماضي، حيث توفي عام ٢٠١٤ عن عمر ناهز الواحد و السبعين. له كتاب عنوانه الرسائل المخفية في الماء! و هو كتاب شيق يثير الدهشة لغرابة محتواه. و قد خاطب ايموتو القاريء في المقدمة بقوله ان هذا الكتاب سوف يغير نظرتك للعالم بشكل هائل!
يفتتح المؤلف الكتاب بأن يطلب من القاريء ان يسأل نفسه ان كان سعيداً! و لا يتردد في التعبير عن اعتقاده بأن قلة من الناس يشعرون بالسعادة، و يبدأ بالتساؤل عن الأسباب التي تمنع الكثير الناس من الشعور بها.
رأي الكاتب ان الفوضى التي نعيشها تتعبنا و تستنزف طاقاتنا، فنحن نعيش في عالم غارق بالحسيات و المرئيات، و ما يحدث في أقصى الارض تصل اخباره الى أقصاها في غضون لحظات قليلة. صراعات في كل مكان؛ سواء على صعيد الدول، او في محيط العمل، او حتى على صعيد الاسرة، فالخلافات بين الناس كثيرة و متشعبة. يا ترى ما الذي يغذي الخلاف في هذا العالم و يُضعف التناغم فيه؟
المشكلة برأي الكاتب تكمن في عدم قبول الاخر المختلف، و الناس على صعيد العالم تختلف عن بعضها بشكل كبير. او هكذا نظن!
يشير المؤلف الى ان الماء يشكل نسبة ٧٠٪‏ من جسم الانسان البالغ. يبدأ الانسان الحياة و هو عبارة عن ٩٩٪‏ ماء، عندما يكون جنيناً في الرحم، و عندما يولد يشكل الماء ٩٠٪‏ منه، و كلما يتقدم بالعمر تقل النسبة بحيث تصبح ٥٠٪‏ لدى المسنين. بتعبير آخر يعيش الانسان حياته و الجزء الأكبر منه ماء! فإذا فكرنا ان الانسان كان ماءً قبل ان يصبح إنساناً، فمن المرجح اننا سنفهم جسم الانسان بشكل افضل كلما ازداد فهمنا للماء و خواصه، وفقاً لرأي الكاتب!
هذه النتيجة التي توصل اليها ايموتو جعلته ينظر الى العالم بمنظار جديد، فأصبح يرى ان ما يجمع الناس أكبر من الذي يفرقهم! اذ مهما اختلفت اعراقنا و اصولنا و الواننا، فنحن جميعا نتكون من الماء بنسبة كبيرة. و لأجل الحصول على السعادة، على الانسان ان يُنَقِّي الماء الذي يشكل الجزء الأكبر منه!
الماء هو القوة التي تديم الحياة في جسم الانسان، و بقية المخلوقات طبعاً، لكن ايموتو ركز في بحثه على الانسان، لذلك سأكتفي بذكر الانسان في هذا المقال. قد يفقد الانسان حياته اذا انخفضت نسبة الماء في جسده عن ٥٠٪‏، فالماء يشكل نسبة عالية من تركيب الدم، و الذي يقوم بنقل الغذاء و الأوكسجين الى كافة خلايا الجسم، لذلك يعتبر الماء ناقلاً للطاقة خلال أجسامنا.
بحث ايموتو تأثير أفكار الانسان على الماء، و استخدم كاميرات عالية الجودة و السرعة و الدقة في التقاط الصور، لتصوير بلورات الماء المنجمد، بعد إخضاعه لتجارب معينة! هدفه من ذلك كان لرصد تفاعل الماء مع مختلف أفكار الانسان الموجهة اليه، و رؤية التغيرات التي تحصل فيه!
استخدم الباحث عينات مختلفة من الماء؛ من عينات نقية من ينابيع صافية، الى عينات  من مياه ملوثة و غير نقية. و يذكر في كتابه انه عندما بدأ يدرس بلورات الثلج، اكتشف ان الماء يعبر عن ذاته بطرق كثيرة مختلفة و متشعبة!
من التجارب التي قام بها الباحث انه وضع خمسين عينة ماء من مصادر مختلفة، في خمسين وعاء شفاف كتلك التي تستخدم لفحص العينات في المختبرات. قام بتجميد تلك العينات ثم فحصها، كل على حدة، بمنظار عالي الدقة بعد تسليط الضوء عليها. لاحظ ان المياه المأخوذة من مصادر طبيعية، كالينابيع مثلا، شكلت عند انجمادها بلورات جميلة متكاملة، بينما لم تشكل مياه الحنفية المأخوذة من طوكيو اي بلورة متكاملة!
بعد ذلك فكر بفحص عينات ماء بعد تعريضها للموسيقى! حيث وضع قنينة ماء بين سماعتي جهاز تسجيل، بينما كانت الموسيقى تعزف بارتفاع صوت مريح للاذن البشرية. و قد استخدم نفس العينات التي استخدمها في التجربة السابقة. النتيجة كانت مذهلة؛ فقد اختلفت بلورات نفس العينة مع اختلاف المعزوفات الموسيقية!
تجربة الموسيقى أثارت مخيلة و فضول الباحث، فقام بكتابة بعض الكلمات و العبارات البسيطة، مثل شكراً، جميل، غبي، على أوراق و لفّ كل واحدة من تلك الأوراق على قنينة ماء، بحيث تكون الكلمة المكتوبة مواجهة للماء! المدهش في الامر ان كلمة شكراً جعلت الماء يشكل بلورات سداسية جميلة منتظمة، بينما كلمة غبي تسببت في تشكل بلورات مشوهة متكسرة!
الكتاب مثيرٌ فعلا و شيق، و هذا المقال المختصر لا يفيه حقه، و لكن من جميل ما ذكره الكاتب هو قوة تأثير الكلمة، فالكلمة الايجابية لها تأثير ايجابي على هذا العالم، بينما للكلمة السلبية قوة مدمرة!

تعرض الكتاب للكثير من النقد السلبي من علماء رأوا ان تجارب ايموتو لم تتم تحت ظروف قياسية، و انه لم يقدم الأدلة العلمية المقبولة لنتائج أبحاثه. انا شخصياً وجدت الكتاب شيقاً، و الصور فيه مذهلة. اما الكون الذي نحن جزء منه فهو هائل السعة و لا يزال مليء بالأسرار بالنسبة لنا.. «و ما أوتيتم من العلم الا قليلا»…»أي شيء يصبح ممكناً عندما تملأ قلبك بالايمان بامكانية حدوثه، هذا ما تعلمته من الماء، و قد تعلمت منه الكثير.» (ماسارو ايموتو).