الريح تزرع في القلوب العاشقة
طمأنينة نسمات الصبا
الرّيح لم تعد تعترف بالمدى ،انتصرت عليه جعلت من الأرض مرقصها الأثير …كل مساء تحمل أذيالها و تسافر في الفضاء الرحب …تعطي ناياتها للأشجار و للسفوح و للعصافير و تعزف العناصر سمفونياتها في رفق و سلام ..ترقص الريح بين الثنايا و تداعب في رقصتها الكون ..تلتحم بالجبال و الناس و الأنهار و تخفق كقلب مجنون عاشق ..من سأل الريح لم كل هذا الرقص الذي لا ينتهي .؟
** **
في ذرى جبل أولمب دارت الريح تبحث عن حبيبها تراود وجنتيه و تلتف على صوته لعلّه يبوح لها بالسرّ المقدس ..في آخر المعبد الرّهيب وجدته يعانق حبيبة أخرى.
يومها استحالت عاصفة دمّرت الكون بغضب كليم و التفّت حول نفسها في دوامة سوداء تعصر كل ما يجيء تحت قدميها كما اعتصر قلبها الصغير …
انزوت الأشجار والأطيار و انحنت الذرى ,,لتسقط في آخر رقصتها الجريحة مهدودة باكية …
** **
عرفت الريح أن قلبها سقط في آخر رقصة لها والتهمته النار،تحطم على قدمي “كيوبيد” ..عاقبها الإله على جنونها و فورتها فأحرق قلبها و حوّل حبيبها شجرة سرو عالية …
لم يكن العقاب عادلا فقد جعلها تواصل رقصها المجنون حول حبيبها و لا يلتقيان ..ترجته أن يجعلها فنَناً في الشّجرة الباسقة،خضرة في الورق و الأغصان،شموخا في ذرى السّرو ،حطبا في الجذع..لكن عقابه كان صارماً حازماً فانسحبت وئيدة الخطوات ،واصلت رقصاتها المجنونة لكن دون مزاج رائق للفرح..
** **
من أمد بعيد و الرّيح تدور حول السّرو ..تهدهده و هو يقف لامباليا صامتا باردا ..فتدور وتدور لتعود مهزومة الرؤى و الخلجات ..” تبا لقسوة الشجر المتكبر يظل يرفع هامته يلاحق السّحب و،المطر يحلم بالنور والنجمات يُهادن الرّيح في رقصها فينحني مبتعداً عن حرارة الأعناق..سيبقى الهجر دهورا و لا يلتقيان و للعشق سمّه القاتل يتحول موتا شيئا فشيئا …البلاد التي تريد للريح أن تنهزم تزرع السرو في أرضها ..تعوي الريح تحت أقدام حبيبها الأزلي تلتف حوله مولولة ..تعانقه و تدور و تدور بلا جدوى “..
** **
هذه حكاية الريح و أشجار السّرو المغرورة في رقصة لا تنتهي بينهما لعل المدى يحبل بجنين للقاء و هما يلتقيان في إقبال من الرّيح المسكينة و عزوف السرو المجنون ..تئن العناصر خوفا من شوق العاصفة و تدور الرياح باحثات عن السّرو ،تبدأ الرقصة حانية رفيقة لطيفة تتحول شيئا فشيا إلى لقاء عنيف من التّمسح على الأعتاب و تنتهي لاهثة ترافقها أصوات الموسيقى من كل مكان…
** **
ريح على وقع السرّ القدسي تتعرى
تحمل في أجنحتها رسالة الكون و العناصر
تزرع في القلوب العاشقة طمأنينة نسمات صبا
و في قلوب أخرى تغزل الكون أحبولة هائمة الخيوط
فيتعرى الملكوت.
خائبا يزرع الليل في قلب الرياح حنينها
لكنها لا تحتمل ..لا البعد يُسكن قلبها
لا القرب الحافي من عيون حبيبها
و تظل تولد في الناس خوفا و سعيرا
و للقصة نهايات كثيرة الفجوات …
تطل من آخر كل واحدة أفعى
و يبقى السّرو قاسياً لا ينتبه – أو ينتبه – للشّوق يتحول رقصة مجنونة و للريح حكايات لا تفنيها الرقصات .