مجلة النجوم – سيدني
ركام حجارة ونفوس
بقلم الكاتب نعيم شقير
أنقاض تدل على نهاية ، وربما على بداية ..
سوق طفولية تشبه سوق النخاسة ..
أطفال عراة من العشق والبسمة ، يلهون بما ملكت ايديهم ..
وجه طفل ينبثق كالقمر الشيطاني من الخراب ..
الخوف لون عينيه ..
والاسئلة تنهمر من دموعه ..
والدم يقطر من أصابعه ..
كان خارجًا من الحلم ساعة هبط كل شيء ..
كان يحلم ساعة وقعت السماء ، وتحطمت ألعابه ، واندهس سريره ..
كانت الساعة تشير الى تمام الفجر ..
كان القمر ساهرًا ، وشاهدًا ، وحارسًا للأسرّة والقبور ..
وإذا بصوته وأنينه يصل إلى مسامع السماء ..
ويتفوق على صوت الاسعافات وهول المصيبة ..
انكسر الليل نصفين ، وبدأت سهرة إبليس ..
****
دم يشبه شراب الورد يركض في عروقهم الضيقة ..
يستريح في شرايينهم المتعرجة ..
دم يملأ الأرض والزمان والمكان ..
يسيل سدى ..
يستريح لحظة ..
وإذا ما استهوته الاستراحة ينتهي إلى القبر ..
دم طري نقي ، لا ذنب له سوى إنه أسير زمان ومكان يشيران إلى فقر وطمع ..
ودم آخر نقي ، ذنبه إنه أكثر نقاوة لإنه انفجر من منزل وفراش ، ومن علب شوكولا كثيرة وألعاب اكثر ..
الدم الأول سائل سرق العوز لونه ، وقضى الفقر على طعمه ، فصار سائلًا ثقيلًا على ضمائرنا ، وخفيفًا على مشارفنا التي نتباهى بها ..
دم لا فئة له .. ولا لون ولا نوع ..
يربك المختبرات ومعها العلماء والدكاترة ..
يسيل في طفولة زائفة ، عارية ، تحيطها المخاوف والهواجس والمخاطر ..
****
الهموم الجديدة تستعير من حمم القديمة ما يشعل ويلهب ..
تحوم على الشبابيك والضمائر والمداخن..
عليك ان ترجع إلى السفح لتدحرج الصخرة مرة أخرى ..
عليك ان ترجع إلى القاع لتؤرخ جراحك وأوسمتك ..
عليك ان ترجع إلى روزنامة القهر والعذاب لاختيار يوم واحد من السنة لا تلّونه ذكرى مصيبة ولا ذكرى أربعين ..
وقعت البناية القائمة على أعمدة من غش وكرتون ..
وقعت البناية التي يستطيع الطفل أن يعمرها بألعابه ، بمكعباته ،. ويهدمها كل مرة ..
خاف المالك ..
هرب مع الفجر ..
لكن الحدود كانت مقفلة ..
لكن قمرًا طفوليًا أوقفه على الحدود ..
منعه من العبور إلى الضفة الأخرى ..
وأعاده مخفوراً إلى حيث يجب ان يكون ..
هجم الوزراء والمسؤولون إلى موقع الكارثة ..
لوّنوا بقراراتهم المبدئية ما يستر الفضيحة ..
فضيحة ان تتكرر عملية السقوط مرات ومرات ، وتتكرر الصور والتطمينات ، وتظل ضحكات طفولية تدهسها السقوف الإسمنتية..
****
كانت بيوت مضاءة بعيون وكؤوس وأوتار ..
جاءها اللص محتلًا ، فالتهم العيون ، وكسر الكؤوس وشنق الأوتار ..
كانت بيوت مضاءة بالخوف والتعب والغياب ..
جاءها الموت ، ألبسها الأكفان ، وحوّلها إلى كتلة من ندم ويباس ..
كانت بيوت مشتعلة بالفرح وطحالب الذكريات ..
جاءها الغدر ، فصارت حطبًا وفحماً ومناجم وملاجئ ..
كانت بيوت واقفة على العكاز ..
حديدها مقسط كما السندات ..
باطونها على أقساط ..
وأعمدتها من كرتون ..
ذنبها إنها رخيصة ..
ليست بمئات الألوف من الدولارات ..
لكنها بمئات الألوف من الغصّات ..
ومع ذلك فالذنب ليس ذنب الفقراء ..
إنهم اشتروا ألستر وتسلّموا المفاتيح المستعارة ..
اشتروا السقف وسلّموا كل ما يملكون ..
اشتروا المنزل ، ودفعوا فيه ذهبا وأساور وقروشاً بيضاء لأيام سوداء ..
وقبض المالك القروش البيضاء ..
والسندات الموقعة بالدماء والبصمات ..
وجاءت العتمة ..
وخرّت البناية صريعة ..
لم يكن زلزالًا ..
لم تكن هزة أرضية ..
بل هزة ضمير على مقياس مقاول لبناني ..
هزة ضمير كانت أقوى من مقياس ريختر ..
أودت بحياة اناس لا ذنب لهم سوى إنهم وقعوا على تلك المنازل ..
أودت بحياة افراد واطفال ، وذهبت بالآخرين إلى اسرّة الجراح ..
وتحطم أثاث الفقير ..
وتحطمت ذكريات ..
وضاعت محابس الذهب ونتف الدولارات المخبأة ..
وجاءت الجرافات لتزيل الركام ..
وأزالت مع الركام أنفاسا وأوجاع ..
وأخذت معها دفء الأمكنة ..
وتركت العراء والبرد ..
وصارت العائلات نزيلة البيوت المستعارة ..
وخسرت الاصوات ، وجرحة الاعراس ..
****
في ذلك الصباح ..
مشت جنازات إلى القبور ..
وسارت خلفها دموع وغصّات ..
كأن زرقة البحر اكتسحت القبور الساحلية ..
كأن الزبد انعقد شموعاً ..
كأن النجوم اجتازت الشرايين ..
قوافل تنتظر الإعاشة ، ويطول الانتظار ..
قوافل تنتظر الدواء .. والمرض لا ينتظر ..
جحافل تستعد لمعركة في سبيل رغيف ..
كأن الصباح يفلت منهم ..
كأن الرغيف يصحو قبل الوطن ..
كأن الضمير ينام في الكهف ..
رابط مختصر: https://anoujoum.com.au/?p=12378