#مجلة_النجوم_سيدني
بقلم الكاتب والشاعر نعيم شقير
ارتدت ثوب القهر منذ الحرب التي أوصلتها إلى ” بيت العدل ” مع وصية بعدم ترك البيت الزوجي إلا إلى القبر ..
اتسعت رقعة الثوب وتفوقت على القامة الطرية وأغرقتها بالسؤال والندم ..
لا تعرف إلا الطاعة العمياء التي لا تقبل النقاش أو الاعتراض..
تتضرع إلى ربها أن يبقيها قوية ، لتلبي الأوامر ، وتنفذ الواجبات الثقيلة ، والحقوق الزوجية الأثقل التي اختزلتها التقاليد من الكتب السماوية وشرائع الأديان ..
تتوالى الأيام أثقل من الحديد والنار ، وتزداد الطلبات والأوامر ومعها الشتائم والركلات ..
وتغرق فلانة في صمتها ودمعها ، وتكاد تجزم بأن الله أشاح بوجهه عنها ..
تعيش الخوف في أبهى ألوانه ومعانيه ..
تسكن في وجع الطرقات الجائعة إلى الأسفلت ..
وتستظل جدرانا خائفة وسقوفا ترشح دمعًا وانهيارات ..
تنمو مع العشب المسعور الطالع من بين الفجوات والذي أصاب النوافذ والشرفات وتوزع أوسمة ونياشين على الأنحاء ..
وتكبر مع يأس نافر تجرأ على الظهور ، ورسم لوحة القهر بلا إمضاء وتوقيع ..
***
بطلة هي رغمًا عن الأقلام والأفكار والقصائد ..
شهيدة هي ، وإن كانت عروقها تنبض خوفا وفرائض ..
مظلومة هي ، والظالم هنا ليس زوجها وحده ، بل الشمس والهواء والماء والمطر ..
كل ما حولها يدعو إلى الثورة ، إلى التحدي ، ولا يمكنها امتطاء صهوة الحرية ..
مقيدة بسلاسل من دين وأوراق رسمية ..
مشنوقة بعادات وتقاليد ، أقل ما يقال فيها زمن الرقيق الذي استمد لونه من عينيها ..
نحييها ..
بكل الأقلام التي تعبت من الجري خلف النجوم والمشاهير ..
بكل الأوراق اللاهثة وراء أخبار المجتمع المخملي والطبقات الراقية ..
بكل الأحلام التي يقتلها حطب الصباح ، ويخطفها الضوء الزاحف كالريح ..
بكل الأوهام التي علقت في الذاكرة والحنين ..
نبكيها ..
شهيدة حية اغتالتها العادات والتقاليد ، ولبسها الجهل وبياض الصمت ، واحترقت بشمس الخوف وحرارة الشتيمة ودفء الإهانة والمذمة ..
أنجبت في عشر سنوات من القهر والعذاب دزينة أفواه مفتوحة على ذل السؤال والاعتراض الصامت ..
دزينة أفواه تسرق المياه من القساطل المبقورة في زفت الطرقات المقتولة ..
تستحم هناك بين الرصاصة والانفجار ، على مرأى من الطير والعيون الجائعة إلى الحرام ..
جلادها هو زوجها بشهادة شاهدين ، إن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الاخرى ..
يتسلى بقهرها وعذابها ولا تملك الاعتراض والشكوى لغير الله مذلة ..
يستحم بدموعها عوضًا عن قساطل الطريق ..
هي الآلة التي من لحم ودم وعظم نافر ، تنجب بلا وقود ..
***
في الليل يأتي الجلاد من خلف زجاجات وضيعة ، ولفائف مبتذلة ، ويأس الأيام الثقيلة ..
يكتسح فريسته الشرعية بكثير من القسوة والإذلال ..
لم يسمع بما جاء في الكتاب الكريم وقدموا لأنفسكم ..
بل يقدم لنفسه طريدة جاهزة على الدوام يطلبها بالأمر ساعة يشاء ، يغرس في جوفها كل الأحقاد ، وينهض عنها إلى سجائره
الرخيصة لينفس همومه وسمومه وثاراته السرية في سماء المكان الخارج عن الزمان ..
نزل الهزال عليها كالمطر ..
أصابها المرض باليباس والذبول ..
حبسها الوجع داخل عتمتها ..
وصارت شبحاً تتناقلها السواعد الغريبة والأنفاس الملونة ..
أخمدت في جوفها ثورات وانفعالات ..
وغرقت في ظلام الخوف ، وتمددت على حطام النفس المكسورة وعتق التقاليد لتستريح ..
***
تريد أن تموت ..
تريد أن تعيش في قبر مقفل لا يملك مفتاحه الجلاد ..
تريد انتظار الموت كالحب .. كالوردة التي لا تغفو إلا على ندى الصباح ..
تتمنى أن تحترق تماماً بنار الغضب التي لا يعوزها عود ثقاب ..
تتضرع أن تتفحم ، فلا يعثر دود الرواية على وجبته لانه لا يأكل الفحم ..
وحدها تستحق التاج ..
ووحده يستحق الأصفاد ..
مات حبق العيد في داخلها ..
مات حبق العائلة ..
انتعش العشب واحتل الحبق وداس الياسمين وأزهر دوداً للذكريات ونعوشا للآمال وحطباً للتقاليد ..
تسللت في صمت العشية ..
طلبت الإذن بالكلام ..
رفعت الصوت عالياً ..
لا تريد تصفيقًا ولا تريد كلمات ..
رابط مختصر: https://anoujoum.com.au/?p=14184