مجلة النجوم – سيدني
باتريسيا هاشم – بالعادة يتفوق ممثل واحد أو أكثر في أي عمل درامي، ويبرز بين فريق عمل واحد، وإنْ كان متجانس، فيترك بصمته الإبداعية، ويكون حديث المتابعين، والنُّقاد. أمَّا أنْ يتحول كلّ فريق العمل إلى أبطال متميزين فذلك يعني أنّ العمل المُقدَّم خرج عن المألوف، وحلّق بعيداً خارج السّرب مانحاً العمل المقدّم بُعداً إبداعياً مختلفاً، وهذا ما تقول عنه نِسب المشاهدة بوضوح، والمراتب الأولى التي حققها منذ حلقته الأولى بِموسمه الثاني ونحن نتحدث اليوم عن مسلسل ” للموت” الذي يستمر في حجز مكانه في الصّدارة مبهراً الجمهور، وحابساً أنفاسه.
بدايةً لا بدَّ مِنَ الإشادة بكاتبة المسلسل، <ندين جابر> التي تحدَّت نفسها حيث أصرّت على تقديم جزءاً ثانٍ مثير ، ومشوّق مُطلِقةً العَنان لمخيلةٍ خصبةٍ، وموهبةٍ فذّة، وقلم شقي، لقد نجحت في هذا التّحدي الجديد جازمة أنها رقم صعب قادم بقوة إلى عالم الدراما الذي استقرّت فيه عن استحقاقٍ، وجدارة.
أما مخرج العمل <فيليب أسمر> فلا شك في أنّه ظاهرة الدّراما التي لم تستكِن، ولم تكلّ عن إبهار الجمهور الذي صفّق لكل أعماله التي تستمر في التفوق بشكل متصاعد ٍحتى باتت حدودها السماء، وكأنه موهبة إخراجية من خارج.
هذا العالم “وحش” الإخراج هذا خطير حدّ الهذيان، فيصدمك بكادراته، و بأفكاره العملاقة، برؤيته الرائدة للأعمال الدرامية، وأيضاً بأماكن التصوير غير التقليدية، بصورةٍ مبهرةٍ تغازل ذوق المشاهد، وتُسهِم إلى حدٍّ بعيد بِارتقائه إلى مستويات عليا، فلم يَعدْ يتقبل المشاهد اللّبناني، والعربي مستوى أقل مما يقدّم هذا المخرج المبدع الذي يضاهي بإبداعه أهم مخرجي الوطن العربي، والعالم سيما وان شركة الإنتاج “ايغل فيلمز” سخّرت له كل إمكاناتها مؤمنة بهذه الموهبة النادرة فأطلق فيليب أسمر العَنان لجنونه الإبداعي، فلامس المستحيل، وطوّعه لِيخدم الورق، والممثلين على حدٍّ سَواء.
أما نجوم العمل فلهم قصة مختلفة مع الإبداع، عمل جماعي مبهر أقلّ ما يقال فيه أنه انتحاري: “يا بتوصل على الموت يا بتوصل على المجد”، عذراً من المعلّم منصور الرحباني على تغيير كلمات رائعته” لمعت أبواق الثورة” مع أن مسلسل “للموت” يعدُّ ثورة أيضاً ولكن من نوعٍ فنّي مختلف؛ فهو ثورة بوجه التقليدي والكلاسيكي، ثورةٌ جماليةٌ بِكل أبعادها الإبداعية، ثورةٌ للممثل اللُّبناني بِوجه المقولة السائدة أنه” ما ببيع” أو أنه “درجة ثانية” ليثبت كل ممثل مشارك من الأبطال وصولاً إلى الكومبارس أنهم الأغلى على قلوب كل مشاهدي الوطن العربي وأنهم “أوائل”.
كل في مكانه، وإطاره، ودَوره، ومشهده.
بدايةُ مع ماغي بو غصن؛ النّجمة “النسر” التي لا يساع أي فضاء موهبتها، فقد أثبتت أنها ممثلة بدرجة امتياز استحقت كل الفرص الدرامية التي أُعطِيت لها، وأثبتت أنّها جديرة بالنّجومية التي دفعت ثمنها سَلَفاً مِن شقائها، ومجهودها، وصبرها، وتحديها لنفسها، وما أجمل النجومية التي تُستحق، ولا تُمنح. ربما “سَحَر” كانت فرصة ماغي بو غصن العربية؛ لتتوّج ملكة على أدوارها، ولتحسم الجدل حول نجوميتها المُستحقة التي تعانق الدّور، تتقمصه، تتحد به، وتعيش فيه.
أما محمد الأحمد فلعلّ مسلسل “للموت” أعطاه الفرصة الكبرى؛ ليتربّع على عرش قلوب اللُّبنانيين- فهم ذوّاقة خَطِرين لا يدخل مملكة قلوبهم غير الذين يلامسونه إبداعاً- نجح هذا النّجم الكبير بإسقاط كل الأسوار، وهدم كل جدرانهم، والتّسلل إلى عقر دارهم كما نجح في جذب كل الأضواء إليه بِدَورٍ لائقٍ بِموهبته إلى حدٍّ بعيدٍ، فأحبه المشاهدون رغم كرههم لِدوره، فهذه معادلة صعبة تعني أنه نجم مبدع وخلوق فقط.
أما باسم مغنية؛ فهو فخر لبنان على الشاشة، نجمٌ ساطعٌ في سماء هذا الوطن المظلمة، نجم الأدوار الصعبة والمركبة، هيمنة مستمرة على الدور من المشهد الأول حتى الأخير، نجمٌ متمكّن راكم خبراته، واستثمرها في كلّ دور جديد، وأبى إلا أنْ يقلب كل المعادلات، ويغيّر مسار الأدوار. من الصّعب جداً ألا يراوح أي نجم مكانه، أما هو كالصاروخ لا يوقفه أي دور أو تردعه أي مَهمّة جديدة. ممثل المهام الصعبة، “حرّيف” وشقي، لا يكرِّر نفسه، ولا يشبهها؛ بل يفاجئنا في كل مرةٍ بأداءٍ جديدٍ لا غبار على تميّزه؛ ما جعل مِن باسم مغنية روح، ونبض كل مسلسل يشارك فيه.
بديع أبو شقرا؛ على الرغم مِن دوره المحدود في “للموت”، إلا أنه يثبت مرة جديدة نظرية أنّ أحجام الأدوار لا تعني بالضرورة تألقها، فالإبداع يُقاس بِعظمة الأداء، وليس بطول المَشاهد، ولأنه تخطى اختبار النجومية منذ زمن، يلعب بديع باستمتاع بالأدوار التي يختارها من دون الحاجة لإثبات نجوميته لأحد، فهو مطمئنٌ، ومرتاحٌ للمكانة الخاصة التي حجزها لموهبته على الشّاشات في قلوب المشاهدين، فهو يثبت مرة جديدة أنه رقم صعب، ولكن جميل في الدراما العربية.
أما دانييلا رحمة؛ فحدِّث ولا حرج عن تطورها أمام الكاميرا، هذه الشّابة الموهوبة التي كانت بالكاد تنجح في التحدث بالعربية، باتت اليوم كالبلبل لا تكتفي بالتحدّث بشكلٍ سليم؛ بل تخطت ذلك إلى ترجمة مشاعرها بِدهاءٍ، وذكاء، وحِرفية. لعل مسلسل “للموت” مع قساوة مضمونه، ومواقفه أسهما في تطوير قدرة دانييلا على التّعبير بقوة أمام كاميرا فيليب أسمر التي لا ترحم، فتعلمت، وتدربت إلى أن تفوقت، وهي اليوم ممثلةٌ دراميةٌ يحسب لحضورها أو غيابها ألف حساب.
أما باقي الممثلين، مثل: وسام صباغ، كارول عبود، فادي أبي سمرا، أحمد الزين، رندا كعدي، ليليان نمري، ختام اللّحام، جويل داغر، ريان حركة، دجى حجازي وغيرهم، فهم باقة جميلة ملونة لونت كل مفاصل المسلسل و أسهمت إلى حدٍّ بعيدٍ بِخلق ” هيبة ” المسلسل الذي كان ليسقط بسقوط أي عنصر من عناصره الداعمة، لذا أوجه اليوم تحية تقدير لكلِ ممثلِ كان بمنزلة دعامة لهذا المسلسل الذي أسهم في رفعه إلى مرتبة الإبداع، لن تنساه الشاشات المحلية، والعربية في وقت قريب؛ بل سيبقى على شفة، ولسان كل الجمهور لأِجلٍ غير معروف.
رابط مختصر: https://anoujoum.com.au/?p=10666