مجلة النجوم – سيدني

بقلم:  علا بياض – رئيسة تحرير مجلة النجوم

من الحقائق التي يجب أن تُدْرَك جيداً، أنَّ الإنسان لا يتحرك في تصوراته المختلفة، ومواقفه المتنوعة، وأفعاله المتباينة، ومشاعره المتناقضة، وخواطره وأحاسيسه، إلا من خلال الأفكار، التي تعمل في عقله من خلال عمليَّة التفكير، الواعية أو غير الواعية، المباشرة أو غير المباشرة، و تَتَجَسَّد خطورة الأفكار بأنَّها تصنع الأفعال.

في كل لحظة ستُفَكِّر في حياتك، وعملك  أو مع من  تربطك بهم صلة، تفكر في الماضي، وتَجَشَّمَ قلق الحاضر، و كَربَ المستقبل، وهذا التفكير سيولِّد تلقائياً مشاعرك السَّلبيَّة والإيجابية، ثُمَّ يُنْتِجُ بعد ذلك أفعال، وفي نهاية اليوم ستصبح رهينةً لِأفكارك، وطريقة تفكيرك.

هناك أفكارٌ كثيرةٌ مِن حولنا، تجري في سيلٍ مُنْهَمِرٍ في كُلِّ لحظةٍ، تطرق مسامعنا، وعقولنا، وأعيننا، ونتلقاها بأشكالٍ مختلفة، ومتنوعةٍ؛ ولهذا نحن بحاجةٍ إلى تمييز هذه الأفكار، الصّحيح منها والسّقيم، والحقيقي والمُضَلِّل، والمفيد والضَّار. ومن هنا تأتي أهميَّة الوعي بالأفكار، وأهميَّة نقدها وفحصها قبل أن تتسلَّلَ إلى عقل الإنسان، ومن ثَمَّ تتمكَّن من صناعة تصوراته ومشاعره، وفي النهاية تُنتِجُ مواقفه، وقراراته، وأفعاله.

قد ينظر بعض الأشخاص بِاستهانة إلى بعض الأفكار في بدايتها، ويعتقد أنَّها أسوء مِن أنْ تتركَ أثراً في فكره، لا يستوعب كيف تعمل الأفكار،  ربَّما فكرة صغيرة قد يترتب عليها من العواقب ما لا يتوقعه من مثلها، وباستطاعتك في البداية إشعال حريق الأفكار في رأسك، من خلال فكرةٍ قَدَحت ذلك، لكنك حتماً لن تكون قادراً على إيقافها.

أحكمنا السّيطرة -في البداية- على ما يدخل إلى عقولنا، لكننا لاحقاً إذا سمحنا له بالدخول نعجز عن إيقافه، والتَّحكم به في عالم الأفكار، حينما  نشعلُ عودَ ثِقابٍ واحدٍ بجلبِ لنا فكرةً واحدةً، وإذ -فجاءةً-نعمل على إشعال غابات التّفكير كلها في عقولنا بهذه الفكرة.

مِن الأمور الخَطِرة الاستهانة بالأفكار  من دون فحصها، مهما ظننت أنَّك في مَنَعَةٍ منها، فالأفكار لها سلطان على العقول، ولها قابليتها الكبرى في التأثير، وسُرْعَة الانتشار لدى العقول التي تتلقاها  من دون فحصٍ أو نقد، ومن أجل هذا، علينا الاهتمام بنوعية الأفكار ، فهي تُؤَثِّر على حياتنا مباشرةً، وغير مباشرة، ومَن يعيشون بجوارنا، ومعنا، وآثارها الإيجابيَّة والسلبيَّة التي لا حدود لها…

إنَّ الأفكار الإيجابيَّة أو السَّلبيَّة التي نَضَعها في عقولنا هي الرحم التي تُولَد منها المشاعر، ويترتب عليها النتائج، يقول الكاتب أوج ماندينو :(Og Mandino): “ “إنَّ نقاط ضعفك الوحيدة هي التي تضعها في ذهنك، أو تسمح لغيرك بأن يضعها لك”.  ولهذا، فإنَّ الذين يتحكمون بطريقة التَّعامل مع أفكارهم ينجحون في التَّعامل مع مشاعرهم  على أكمل وجه.

في النهاية ، يجبُّ أن يُقال بِكل وضوحٍ أنَّ ذلك ليس بالأمر السهل، وإنَّما يحتاج إلى جُهْدٍ، ووعيٍ، ودُربَةٍ، وتعَودٍ إلى أنْ يتحول لِعادة ومَلَكة لدى الإنسان، فالعادات الإيجابية، والسَّلبيَّة لا يُولد الإنسان بها فقط؛ بل يتعلمها ويكتسبها، وإذا كَرَّرَها وأدمن عليها صارت عادة له، و جزءاً من طريقة تفكيره، ومنهجيَّة راسخة في التَّعامل مع الأفكار الجديدة.

التَّفكير السَّليم، والإيجابي هو التفكير المُنتج الذي يعود عليك بالنفع، والصّحة النفسيَّة، ويُنتج العمل الجيد؛ لكنَّ الاستغراق في التفكير كثيراً من دون توجِّهٍ مُحَدَّدٍ، وترتيبٍ للأفكار يحوله إلى تفكيرٍ سلبيٍّ (دوامة الحيرة، والتّردد)، فليس كل أمرٍ بسيط يجب أن نغرق في التفكير فيه، وكما يقول بيت كوهين (Pete Cohen): “التفكير الزائد عن الحد يمكن أن يعوقنا عن التَّمتع بحياتنا، فحديث النفس والتّحليل الدائم يمكن أن يغشى على حواسنا”.

رابط مختصر: https://anoujoum.com.au/?p=12343