مجلة النجوم سيدني

وقّع الباحث والدكتور بول طبر كتابه الجديد بعنوان “شذرات من سيرة ذاتية عادية” وذلك خلال أمسية ثقافية في قاعة

Lakemba Senior Citizen’s Centre  بتاريخ  -19/6/2023  .

حضر الأمسية سعادة سفير لبنان ميلاد رعد وممثّلين عن الأحزاب  والمؤسّسات والجمعيات، وفاعليات ثقافية واجتماعية، وإعلاميين ، وعدد غفير من أبناء الجالية اللبنانية والعربية .

قدم الحفل الشاعر والأديب بدوي الحاج ،واستهلّت الأمسية بكلمة ألقاها كل من الدكتور جورج الهاشم، والأستاذ طنوس فرنسيس، ومديرة راديو  القسم العربي sbs سيلفا مزهر ،والدكتور رغيد النحاس .

وختم الحفل الدكتور بول طبر بكلمة شكر فيها سعادة السفير ميلاد رعد لقدومه من كانبيرا خصيصا وحضور ه حفل التوقيع ،كما شكر الحضور وكل من ساهم في إنجاح هذا  الحفل.

كلمة الدكتور بول طبر 

أيها الأصدقاء والصديقات،أيها الحضور الكريم،تحية صادقة لجميعكم.

مشاركتكم في هذه المناسبة تفرحني دون أدنى شك وتبعث فيَّ الأمل لنبقى على تواصل ونحتفل بمزيد من الكتابات التي قد تغني حياتنا الثقافية في هذه البقعة من العالم وفي وطننا الأم، لبنان. لكن دعوني في البداية أن أذكر أسماء لأشخاص غادرونا من على هذه الأرض وكانوا جزءاً من المشهد العام لسيرتي التي بين أيديكم: والدي ووالدتي، ميشال وليندا طبر أمين عام منظمة العمل الشيوعي في لبنان، محسن ابراهيم، الصديق جان بشارة والرفيق حسن سليم والصديق حسن الشيخ حسين في سيدني. السلام لذكراهم الطيبة.

بينما كنت أفكر فيما سوف أكتبه في هذه المناسبة، إستبعدت عدداً من الخواطر، منها أن أستعيد في كلمتي الأفكار الرئيسية التي وردت في كتاب “شذرات من سيرة ذاتية عادية”. كذلك، وضعت جانباً عرض المنهج الذي اعتمدته في تأليف هذه السيرة والذي أعتقد أنه نهج غير مألوف في أوساط كتَّاب السِيَر في لبنان والعالم العربي (يجد القاريء العربي المكتبات العربية مليئة بالمذكرات وليس بالسير الذاتية). إن الأفكار الواردة في السيرة ومنهج كتابتها هما في متناول كل من يحصل على الكتاب ويقوم بقراءته.

في نهاية المطاف، استقر قراري على تناول ما هو غير متوفر بين دفتَّي الكتاب، وانما موصول به أو أنه يشكل طبقة أخرى من طبقات سيرتي المتواضعة في هذه الحياة. وعليه صممت في هذه المداخلة أن أبدأ بالسؤال التالي: لماذا قمت بكتابة سيرتي في الأساس وباللغة العربية؟

هل كتبت سيرتي لأنني أصبحت في الربع الأخير من حياتي، فكانت كتابة السيرة محاولة مني لكي أبقى على اتصال، ولو كتابةً، مع الزمن القادم وأهله بعد مغادرتي للحياة؟

أو أنني قمت بهذا المشروع لكي أبوح بما حصل معي منذ زمن الطفولة بدلاً من إبقائه عبأً على كتفيِّ ذاكرتي أتندر ببعضه أمام الأصحاب، كل حسب علاقتي به أو بها إلى حين ضِعْف الذاكرة وامِّحاء أغلبية مخزونها؟

أم أنني شرَعْت بكتابة سيرتي رداً على عبث الحياة الذي أطلقه تقاطع جائحة الكورونا مع دخولي في نهاية العقد السابع من عمري، وإشهاراً في وجه هذا التقاطع بأننا نستحق الحياة وأن الحياة تستحقنا؟

يبدو لي أن جميع هذه العوامل كانت حاضرة في اللاوعي عندما قررت أن أستكمل ما بدأت به ك “بوست” على منصتي الفايسبوكية ليتحول لاحقاً إلى كتاب عن سيرتي.

كذلك، الكتاب بين أيديكم هو فعل بوحٍ بما هو شخصي وحميمي، وهو يصرِّح من منظور فردي أن ما يُصنَّف بأنه “شخصي أوحميمي”، يمتلك في الآن معاً بعداً تاريخياً واجتماعياً وأنثروبولوجياً وسياسياً. فالتصنيف الذي نعتمده لما هو شخصي وما هو عمومي، تصنيف يمارس العنف الرمزي عل الأفراد والجماعات وله مفعول سلبي عميق على أبناء المجتمع إذْ يجعل الكثير من الظلم والمعاناة والسيطرة قضايا “خاصة” لا علاقة للمصلحة العامة بها. كتاب السيرة الذي نطلقه اليوم هو دعوة لإنهاء هذا النوع من العنف الرمزي الذي يمارس بحقنا جميعاً.

كتاب “شذرات من سيرة ذاتية عادية” هو أيضاً إشهار في وجه العبث الذي يطلقه موتنا المحتم، ليقول أننا كيانات يتنازعها الموت وحب البقاء، ولولا الموت لما كان للحياة بكل تعقيداتها وتناقضاتها وبكل حزنها وفرحها، المعنى الذي نختبره. فلا معنى للحياة بدون الموت، وفي الأساس، لا وجود للموت بدون الحياة.

وفي جانب آخر، كتاب “شذرات…” هو إعلان ودعوة: إعلان بأن غالباً ما يكون الجانب الشخصي والحميمي من حياتنا يتناقض مع إدعاءاتنا وسلوكنا في الحيز العام، أي في وسط الناس وفي تفاعلنا مع الآخرين. ومن جهة أخرى، الكتاب هو دعوة لكي يتصالح الجانب الشخصي والحميمي من حياتنا مع الجانب العمومي والمعلن أمام الناس. إن هذا التصالح، أي وضع حد للإنفصام في شخصيتنا ومسلكنا، هو شرط ضروري لبناء علاقات واضحة وصريحة بين الأفراد وقابلة للنقد والتطور.

وفي خلاصة هذه المداخلة، سألني أولادي الذين ولدوا ونشؤوا في أستراليا، عن الدافع الذي جعلني أكتب سيرتي باللغة العربية، وانا من سكان أستراليا حيث اللغة الإنكليزية هي اللغة الرسمية لأبناء البلد. وجوابي على ذلك جاء كالآتي: أنني معني بتوصيل هذا الكتاب إلى القاريء في لبنان والعالم العربي بالقدر نفسه الذي أهتم به لتوصيله إلى القاريء الإنكليزي في أستراليا.

“شذرات من سيرة ذاتية عادية” هو سيرة مهاجر من لبنان-وما أكثر المهاجرين من لبنان والعالم العربي- بجميع حمولاته الحضارية العربية، المحلية والمدينية واللبنانية. ومع استقراري في أستراليا، أُضيف إلى تلك الحمولات حمولةَ التفاعل الحضاري مع هذا البلد بكل تاريخه الكولونيالي وما بعد الكولونيالي.  وبهذا المعنى أتوقع أن ما كتبته في هذه السيرة سوف يعني القاريء العربي كما القاريء الإنكليزي الأسترالي، ومن هنا صممتُ على إعادة تأليف الكتاب باللغة الإنكليزية في أقرب وقت ممكن.

وللحضور الكريم، وكل من ساهم في إقامة هذه المناسبة ( عماد برو، بدوي الحاج، جورج هاشم، طنوس فرنسيس، رغيد نحاس) السلام وكل التقدير والمحبة.

رابط النشر –https://anoujoum.com.au/?p=20862