مجلة النجوم – سيدني.

بقلم الكاتبة والأديبة رامونا يحيى

الكلام هو أفضل إستعراض قام به الإنسان. إنّه ” فصله المسرحي” الخاص على مسرح التطور، وفيه ظهر أمام الستارة الكونية ومثّل دوره بالفعل. إنّ فكرة كون الطبيعة واللغة متشابهتين داخليًا وهي فكرة غير مألوفة البتّة في العالم المعاصر، كانت منذ زمن طويل معروفة جيدًا لدى ثقافات رفيعة متنوعة، كان استمرارها التاريخي على الأرض أطول بما لا يقاس من الثقافة الغربية الأوروبية ولها معنى عقلاني جدًا يتعلّق بالتعاطف الداخلي بين اللّغة والنسق الكوني.

وفي القضايا الأكثر دقة، نسقط كلنا، من دون أن نعرف، العلاقات اللّغوية للغة خاصة على الكون، فإن كلمة”يحمل” في الواقع المحض ليست فعلًا ،بل حالة لمواقع نسبية. ولكننا نفكر فيها وحتى نراها كفعل، لأن اللّغة تُنشأ القضية بالطريقة نفسها التي تُنشأ فيها صنفًا من القضايا أكثر تعقيدًا بكثير، يتعامل مع الحركات والتغيّرات. نحن ننسب فعلًا لما نسميه”يحمل” لأنّ الصّيغة ،إسم +فعل =فاعل +فعله، وهكذا نكون مجبرين في حالات كثيرة على إفتراض وجود كيانات فاعلة وهمية في الطّبيعة فقط لأنّ نماذج جملنا تتطلّب من أفعالنا، أن تمتلك أسماء قبلها. وهذا ما يعطي اللّغة القدرة كسستام منطقي على فهم أوجه معينة من الكون، وأنّه من الممكن أن يُسقط العلماء كلهم من دون أن يعرفوا الأنماط اللّغوية لطراز خاص من اللّغة على الكون، وأن يروها هناك، ويجعلونها مرئية على وجه الطّبيعة بالذات؟ يمكن لتغير في اللّغة أن يحوّل إدراكنا للكون. كل هذا يميّز الطريقة التي يستخدم فيها الذهن الشخصي موهبته الغريبة في اللّغة وهو المأسور في عالم أوسع يستعصي على مناهجه لكي يحيك شبكة الوهم، ويقوم بتحليل مؤقت للحقيقة ومن ثم يعتبره نهائيًا. والطريق للخروج من هذا الوهم يكون من خلال فهم أوسع للغة وأكثر ملاءمة للإنسان لكي يبدأ”ثقافة الوعي” والتي سوف تقوده إلى التنوير العظيم.

من خلال هذا الفهم للغة تُنجز مرحلة عظيمة من الأخوّة البشرية. لأن الفهم العلمي للغات في غاية التنوع ليس بالضرورة أن نتكلمها بل أن نحلل بنيتها وبالتالي هو درس في الأخوة التي هي أخوّة في المبدأ الإنساني الكلّي، وتمتلك اللغة فحوى إضافية في عوامل سيكولوجية أخرى على مستوى يختلف عن المقاربة اللّغوية الحديثة ولكنها ذات أهمية في الموسيقى، والشعر، والأسلوب الأدبي يتعلق إلى حدّ بعيد ب”اللاوعي الأعلى” أو”الروح” بالمعنى الذي يستخدمه يونغ ويتعلق بالنفس بالمعنى الذي يستخدمه فرويد.

اللّغة جعلت المتكلم واعيًا وعيًا أكثر حدّة بأحاسيس نفسية مبهمة فقد ولّد فعلًا إدراكيًا على سطوح أدنى من السطح الخاص به، هناك سيطرة في قدرة اللغة على أن تبقى مستقلة عن الوقائع النفسية لكي تهيمن عليها فتشير إليها أحيانًا وأحياناً أخرى تخرجها من الصورة لكي تقولب الفروقات الدقيقة بين الكلمات وفق قاعدتها الخاصة.

رابط مختصر: https://anoujoum.com.au/?p=22367