مجلة النجوم – سيدني.
لطالما نادت بالتسامح، فالحرب تُناقض جميع مبادئها. تمسكت بإرادة صلبة لتوثيق اللحظة بتفاصيلها، لتكون درساً يتّعظ به اللبنانيون، إنها المخرجة الراحلة جوسلين صعب، التي قرّرت الجمعية التي تحمل اسمها ترميم 15 فيلماً وثائقياً لها.
وُلدت جوسلين في العاصمة بيروت، وسكنت أحد أحيائها الشعبية الغربية. ومن هذا المكان ومن تجربتها الجامعية بدأ مشوارها في محاربة الظلم.
أحزنتها الحرب الأهلية في لبنان، فتابعتها عن كثب، لحقت بأدق تفاصيلها، فصوّرتها بالكاميرا الخاصة بها، وهي تقف بين لهب الانفجارات والنيران. نقلت هذه اللحظات من قلبها وعينيها إلى شرائط وثائقية، مما جعل من أعمالها مادة أساسية لتأريخ حرب لبنان.
15 فيلماً وثائقياً اختارتها «مؤسسة جوسلين صعب» لترميمها، تتراوح بين شرائط طويلة ومتوسطة وقصيرة، ومن بينها «بيروت مدينتي»، و«قارب المنفى»، و«بيروت أبداً»، و«قصة بلدة محاصَرة».
تُعدّ الراحلة واحدة من ألمع المخرجين للوثائقي من أبناء جيلها، استطاعت ترميم تاريخ لبنان الذي لا يزال محتواه حتى الساعة شائكاً ومثيراً للجدل.
الأفلام الـ15 التي اختارت «مؤسسة جوسلين صعب» ترميمها هي وثائقية، تتراوح بين شرائط طويلة ومتوسطة وقصيرة، ومن بينها «بيروت مدينتي»، و«قارب المنفى»، و«بيروت أبداً»، و«قصة بلدة محاصَرة».
أمّا عملية الترميم فجَرَت على مراحل، بحيث خضعت لـ«سكانر» في أوروبا، وتحديداً في مختبر الجامعة البلجيكية «KASK»، في حين سُلّم عدد آخر من هذه الأفلام إلى مركز «بوليغون إيتواليه» في مدينة مرسيليا الفرنسية للهدف نفسه، كما أُقيمت ورش عمل خاصة بين بيروت ومرسيليا، بالتعاون مع نواد سينمائية سويسرية. ومن ثم جَرَت عمليات تصحيح الصوت والصورة في بيروت.
وعن هدف ترميم هذه الأفلام تشرح ماتيلد روكسل، مديرة «مؤسسة جوسلين صعب»، في حديث، لـ«الشرق الأوسط»، تقول: «تدور الأفلام المرمَّمة بين سنوات 1974 و1982؛ أما الهدف من ترميمها فيرتكز على إيجاد السُّبل اللازمة لتنفيذها في لبنان، فقلة من اللبنانيين يعرفون جوسلين صعب، حتى إنه لم يكن من السهل الوصول إلى أفلامها والتداول بها، كما أردناها طريقة لترميم الذاكرة، ذاكرة جوسلين صعب وتلك الخاصة بتاريخ لبنان».
وترى روكسل أنه كان من البديهي البحث عن كيفية تنفيذ ترميم هذه الأفلام الـ15 في لبنان. «لم نكن نرغب في أن تجرى بمختبرات أوروبية؛ لأن الاهتمام بقيمة الصورة التي تعمل عليها كان سينقصه شيء؛ لأنها لا تنتمي إلى تاريخها».
غالبية الأفلام المرمَّمة كانت بحالة يُرثى لها، وقد صُوّرت بكاميرا 16 ملليمتراً، كما أن عدداً منها جرى التلاعب به من خلال عمليات مونتاج غير دقيقة، حتى صورتها كانت ممزقة أو تشوبها الخطوط. وغالباً ما حصلت تغييرات على جودة الفيلم من تسلسل إلى آخر، كما أن توقيتها لم يكن صائباً، حتى الألوان طرأت عليها تبديلات مما جعل عملية الترميم صعبة. وتوضح روكسل أن «العمل المنتَج أيضاً كان محتواه ناقصاً، وهنا تلعب الأخلاق دورها، فهذه أفلام صُوّرت في منطقة حرب وفي ظروف صعبة، ولم يكن الهدف منها إخفاء هذا الواقع».
أدى قرار الترميم إلى إعادة ولادة أفلام صعب على حقيقتها، دون خضوعها لأية عملية مونتاج قامت بها بعض محطات التلفزة. وشارك في هذه الورشة فريق كامل من بيروت ومن بعض الشركاء الأوروبيين. وتولى كل من نديم كامل، ومنير المحمود، ومنال زكريا، وفانيسا حلو، وغيرهم، عملية ترميم الصورة، أما عملية تصحيح الصوت فعمل عليها فريق آخر تألّف من: منذر الهاشم، وكريستيل إلياس، وجان فيليب بيساس.
موضوعات هذه الأفلام، كما تقول روكسل، تدور حول الحرب اللبنانية؛ فتبدأ من منتصف السبعينات وحتى مغادرة الفلسطينيين لبنان في عام 1982. جوسلين واكبت رحلة ياسر عرفات من لبنان إلى اليونان على باخرة «أتلانتس» على أثر حصار الإسرائيليين لبيروت، ومن بعدها وُلد فيلمها الوثائقي «قارب المنفى»، فكان آخِر وثائقيّ تصوِّره عن لبنان.
وصوَّرت صعب مدينتها التي مزقتها الحرب في أفلام وثائقية، أطلقت عليها «بيروت مدينتي»، و«بيروت أبداً»، وبقيت فيها إلى حين حصارها. وهي من الصحافيين القلائل الذين وثّقوا حرب الجنوب، فكانت أفلامها عن تلك الحقبة «جنوب لبنان»، و«قصة بلدة محاصَرة» و«رسائل من بيروت». وبعد حرب السنتين قرّرت تصوير صراعات أخرى، فتوجهت إلى مصر حيث تابعت انتفاضة الخبز، فكان فيلمها «مصر مدينة الموتى» في عام 1977. بعدها وصلت حدود صحارى بوليساريو فكان فيلمها «الصحراء ليست للبيع».
لكن متى ستكون هذه الأفلام متوفرة للعامة؟ تجيب ماتيلد روكسل: «قُدّم أوّل معرض استعادي مخصص لأفلام عن لبنان في بيروت، خلال يناير (كانون الثاني) 2023، نظّمه نادي (كيبيك) السينمائي الكندي في مايو (أيار) 2022. وهذه المرة، حان دور برلين لاستضافته، وسيدور من 10 إلى 12 نوفمبر (تشرين الثاني).
وقريباً يُنظّم أول معرض استعادي كامل لأفلام صعب في باريس، خلال الفترة بين 18 نوفمبر الحالي و10 ديسمبر (كانون الأول) المقبل. وسيرافقه إصدار كتاب لها عنوانه «Book to Come Out to Day»، ويتضمن قرص (DVD) يحتوي على فيلمين، كما ستصدر مجموعة أقراص (DVD) (Les Mutins de Pangée) تتضمن الأفلام الـ15 المرمَّمة».
وتطمح «مؤسسة جوسلين صعب» إلى تعزيز أعمال المخرجة وتسليط الضوء على قيمتها التاريخية والفنية. وتختم ماتيلد روكسل، لـ«الشرق الأوسط»: «نعمل على استمرارية وترسيخ ممارسة الترميم الرقمي في بيروت، من خلال تنظيم التدريب. وعلاوة على ذلك، نواصل العمل على ترميم الأفلام الأخرى التي صنعتها جوسلين بمقاس 16 ملليمتراً، وكذلك على ترميم أول أفلامها الروائية».
نقلاً عن الشرق الأوسط
رابط مختصر: https://anoujoum.com.au/?p=24186