مجلة النجوم – سيدني

غالبا ما كان يُنظر إلى الأجيال الأصغر سناً على مدى قرون على أنها كسولة أو مهووسة بنفسها، لكن هل ما زال هذا التصور كما هو ولم يتغير؟

لا تعد هذه ظاهرة جديدة، فدائماً ما نسمع الناس يشتكون من “شباب هذه الأيام” منذ عقود، ويقول بيتر أوكونور؛ أستاذ الإدارة في معهد كوينزلاند للتكنولوجيا في أستراليا: “ميل البالغين إلى الاستخفاف بشخصية الشباب يحدث منذ قرون”.

ويشير إلى أن الصورة النمطية ما تزال مستمرة، إذ أظهرت الأبحاث أن آلاف الأمريكيين يعتقدون أن “شباب هذه الأيام” يفتقرون إلى الصفات الإيجابية التي يربطها المشاركون بالأجيال الأكبر سناً. وأشار الباحثون إلى أن هذا يرجع إلى أن كبار السن يقارنون دون وعي بين شخصيتهم اليوم وبين شباب اليوم، وهو ما يعطي انطباعاً بأن شباب اليوم يتراجعون إلى حد ما، بغض النظر عن العقد الذي نعيش فيه.

وفي أوائل فبراير/شباط، أثارت خبيرة العقارات البريطانية؛ كيرستي ألسوب، حالة من الغضب بعد أن قالت:” إن الشباب هم المسؤولون عن عدم القدرة على شراء منزل”. وأشارت ألسوب، التي اشترت منزلها الأول بمساعدة أسرتها في التسعينيات من القرن الماضي، إلى أن شباب اليوم ينفقون كثير من الأموال على “الكماليات”، مثل عضويات الاشتراك في خدمة نيت فليكس، وصالات الألعاب الرياضية بدلاً من الادخار.

كانت كلمات ألسوب هي الأحدث ضمن سلسلة من الملاحظات حول كيف أن شباب اليوم ليسوا مستعدين لتقديم نفس التضحيات التي قدمتها الأجيال الأكبر سناً، أو أنهم ليسوا بنفس القوة التي كان عليها آباؤهم أو أجدادهم من قبل.

وفي عام 2017م، أشار قطب العقارات الأسترالي <تيم غورنر >بالمثل إلى أن الشباب أنفقوا كثير من المال على الخبز المحمص مع الأفوكادو بدلاً من شراء المنازل (على الرغم من أن أسعار المنازل في أجزاء كثيرة من أستراليا تضاعفت خلال السنوات العشر الماضية، بينما ارتفعت الأجور بنسبة 30 في المئة فقط).

عندما تفهم الأجيال أن كل جيل هو نتاج وقته، يمكننا التعايش معاً بشكل أفضل.

يعتقد بعض الخبراء ذلك، فقد أظهرت إحدى الدراسات التي أجريت عام 2010م التي فحصت طلاب جيل الألفية الذين تخرجوا في الجامعات خلال المدة بين عامي 2004 و2008م أن لديهم سمات مرتبطة بالمثابرة، والمرونة في مواجهة الشدائد أكثر من الأشخاص الذين تخرجوا قبل عام 1987م.

وأظهرت أبحاث أخرى أن هناك زيادة في العصابية، والحاجة إلى التقدير في الأجيال الشابة، في حين أشارت دراسة أخرى أجريت عام 2012م إلى أن الشباب أصبحوا أكثر تمحوراً حول الذات مما كان عليه الأمر في الماضي.

لكن بالنسبة لعديد من الخبراء، لا تشير هذه القياسات إلى أن الأجيال الشابة أضعف من الأجيال الأكبر سناً. وبدلاً من ذلك، فهي مجرد طرائق للحكم على جيل شكله مجتمع حديث يركز على التكنولوجيا وفقاَ لمعايير العقود الماضية.

يقول كارل نصار؛ أخصائي الصحة العقلية في مؤسسة “لايف ستانس هيلث”، الذي يعمل بانتظام مع المراهقين والأسر التي تعاني من الانقسامات بين الأجيال: “الأجيال السابقة عُلمت القمع بدلاً من التعبير، لكن بالنسبة للأجيال الجديدة، فإن الأمر عكس ذلك تماماً”.

ويضيف: “لقد تسبب ذلك في حدوث صدع في الإدراك، إذ ترى الأجيال الأكبر سناً هذا التعبير على أنه علامة ضعف؛ لأنها تعلمت أن التأثر هو نقطة ضعف وليس قوة”.

ويعتقد نصار أنّ التصور بأن الأجيال الشابة أضعف مبني إلى حد كبير على القصص، والحكايات، ويستند إلى عدم التوافق بين الطريقة التي تعبر بها الأجيال المختلفة عن مشاكلها، وهو ما قد يؤدي إلى تحريف البيانات حول مدى مثابرة ومرونة هذه الأجيال في مواجهة الشدائد.

وبالمثل، قد تشير الأجيال الأكبر سناً إلى حقيقة أن الجيل الجديد هو الجيل الأكثر اكتئاباً، وقلقاً كدليل على افتقار هذا الجيل للمثابرة والقدرة على مواجهة الصعوبات، متناسين أن هذا الجيل وصل إلى مرحلة البلوغ خلال وباء عالمي، وفترة من الشعور غير المسبوق بالوحدة وانعدام الأمن الاقتصادي على نطاق واسع. في الحقيقة، لا يمكن المقارنة بين التحديات التي تواجهها الأجيال المختلفة.

يقول جاك دورسي؛ رئيس مركز الخواص الحركية للأجيال، وهو عبارة عن شركة متخصصة في الأبحاث المتعلقة بالأجيال المختلفة ومقرها أوستن في ولاية تكساس: “الحقيقة هي أن الجيل يواجه مجموعة متنوعة من التحديات التي لم تواجهها الأجيال الأخرى في مرحلة الحياة نفسها، وأبرزها وباء كورونا، والضغط الدائم لوسائل التواصل الاجتماعي الموجودة بشكل مباشر على هواتفهم الذكية”.

ويضيف: “عندما نضع في الاعتبار تحديات الصحة العقلية المتمثلة في التباعد الاجتماعي والعزلة أثناء الوباء، وتحديات التعلم عن بعد وجميع العناصر التكوينية لمرحلة الشباب، يكون من السهل معرفة سبب شعور هذا الجيل بأنه يواجه وقتا مملوءاً بالتحديات”.

وبالمثل ربما لم يكن لدى المنتمين للأجيال الأكبر سناً نفس إمكانية الوصول إلى التعليم مثل الأجيال الشابة، لكن فرصتهم كانت أكبر أيضاً للحصول على وظيفة متوسطة دون الحصول على شهادة جامعية، ولم يكونوا مثقلين بمستويات عالية من الديون الطلابية.

وعلى الجانب الآخر، قد يعتقد المنتمون للجيل  الجديد أن جيل آبائهم أو أجدادهم لم يناضل بما فيه الكفاية ضد القضايا الاجتماعية، مثل تغير المناخ، وعدم المساواة المالية، وهو الأمر الذي جعل كثيرين من هذا الجيل يحطون من قدر نظرائهم الأكبر سناً.

في النهاية، يجب أن تفهم الأجيال المختلفة أن كل جيل هو نتاج وقته، والتحديات والصعوبات التي يواجهها، حتى يمكننا التعايش معاً بشكل أفضل.

رابط مختصر: https://anoujoum.com.au/?p=9844